"وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [سورة يوسف:6].
يقول تعالى مخبراً عن قول يعقوب لولده يوسف - عليهما السلام -: إنه كما اختارك ربك، وأراك هذه الكواكب مع الشمس، والقمر؛ ساجدة لك، وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ أي: يختارك، ويصطفيك لنبوته، وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ قال مجاهد وغير واحد: يعني تعبير الرؤيا وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ أي: بإرسالك، والإيحاء إليك؛ ولهذا قال: كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وهو الخليل وَإِسْحَقَ ولده ، إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ أي: هو أعلم حيث يجعل رسالته كما قال في الآية الأخرى".
في قوله - تبارك وتعالى -: وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ يحتمل أن يكون المراد كما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - وهو الظاهر المتبادر، وهو الذي دلَّ عليه القرآن، فالله علم يوسف ﷺ تعبير الرؤى كما قال - تبارك وتعالى -: وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ [سورة يوسف:21]، وهكذا قوله ﷺ في هذه السورة فيما ذكره الله : وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ [سورة يوسف:101]، ومعلوم ما وقع له مع صاحبيه في السجن، قال: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ... [سورة يوسف:41] إلى آخر ما ذكر، وفي رؤيا الملِك قال لهم: تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا... [سورة يوسف:47] الآية، فهذا هو الظاهر الذي دلت عليه هذه الآيات في هذه السورة، ويحتمل أن يكون المراد بتعبير الأحاديث أي الكلام - والله وصف كتابه بقوله: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ [سورة الزمر:23] -، وما جاء في سنن الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، فتعليمه لتأويل الحديث يعني ما نزل من كتب الله ، وما جاء أيضاً من سنن الأنبياء، فهذا معنى تحتمله الآية، والله قال: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا[سورة يوسف:22]، والمعنى الأول هو الظاهر، والأقرب، وعليه عامة أهل العلم، بل إن من أهل العلم من نقل على هذا الإجماع، ولكن هذا الإجماع قد يقصد به قول أكثر المفسرين، وإلا فإن منهم من قال غيره، والعلامة الشنقيطي - رحمه الله - ذكر المعنيين وقال: إن الآية تحمل عليهما، فالآية التي تحتمل معنيين، ويدل على كل واحدٍ منهما دليل من القرآن فأكثر، لا يوجد مانع من حملها على هذه المعاني، فتحمل عليها.
لكن قوله - تبارك وتعالى -: آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا قد لا يكون دليلاً واضحاً فيما ذكر من أن المقصود بتأويل الأحاديث تفسير الكتب التي أنزلها الله ، أو كلام الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -.
فالأقرب - والله تعالى أعلم - أن يحمل ذلك على المعنى الأول.