الأحد 11 / ذو الحجة / 1446 - 08 / يونيو 2025
فَلَمَّا رَجَعُوٓا۟ إِلَىٰٓ أَبِيهِمْ قَالُوا۟ يَٰٓأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قال الله - تبارك وتعالى -: فَلَمّا رَجِعُوا إِلَىَ أَبِيهِمْ قَالُواْ يَأَبَانَا مُنِعَ مِنّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ۝ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [سورة يوسف:63-64].

يقول الله - تعالى - عنهم: إنهم رجعوا إلى أبيهم قَالُواْ يَأَبَانَا مُنِعَ مِنّا الْكَيْلُ يعنون بعد هذه المرة إن لم ترسل معنا أخانا بنيامين لا نكتل، فأرسله معنا نكتل، وإنا له لحافظون، قرأ بعضهم بالياء أي: يكتل هو، وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ أي: لا تخف عليه فإنه سيرجع إليك، وهذا كما قالوا له في يوسف: أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [سورة يوسف:12]، ولهذا قال لهم: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ أي: هل أنتم صانعون به إلا كما صنعتم بأخيه من قبل، تغيبونه عني، وتحولون بيني وبينه؟ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً، وقرأ بعضهم "حِفظاً" وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أي: هو أرحم الراحمين بي، وسيرحم كِبَري، وضعفي، ووَجْدي بولدي، وأرجو من الله أن يرده عليّ، ويجمع شملي به، إنه أرحم الراحمين".

فقوله - تبارك وتعالى -: قَالُواْ يَأَبَانَا مُنِعَ مِنّا الْكَيْلُ يقصدون بذلك قول يوسف ﷺ: فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ [سورة يوسف:60]، مع أنه أعطاهم في هذه المرة، ورد عليهم بضاعتهم، ومن غرائب التفسير ما ذكره بعضهم من أن اسم أخيهم نكتل فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ، قالوا: اسمه نكتل، وهذا غلط، ومما يدل على أنه غلط القراءة الأخرى التي أشار إليها وهي قراءة الكوفيين "يكتل"، وقراءة نَكْتَلْ ليست بمخالفة للقراءة الأخرى، فقراءة الجمهور نَكْتَلْ أي: مجتمعين، ويحصل لنا ما نطلبه ونقصده من الكيل؛ لأن ذلك قد علق بهذا الشرط أن نأتي به معنا، فأرسله معنا نكتل، وعلى القراءة الثانية: "يكتل" موافق للقراءة الأخرى وإن كان المعنى مغايراً له، لكن ليس بينهما اختلاف تناقض إطلاقاً، فأرسله معنا يكتل أي يحصل له كيل إضافة إلى الكيل الذي يعطَى لنا، فكل واحد يعطى حمل بعير من الكيل، وقوله: فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً، قال: وقرأ بعضهم: "حفظاً"، وهي قراءة أهل المدينة، وقراءة الجمهور حَافِظاً.