"وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [سورة يوسف:69].
يخبر تعالى عن إخوة يوسف لما قدموا على يوسف ومعهم أخوه شقيقه بنيامين، وأدخلهم دار كرامته، ومنزل ضيافته، وأفاض عليهم الصلة، والألطاف، والإحسان، واختلى بأخيه فأطلعه على شأنه، وما جرى له، وعرّفه أنه أخوه، وقال له: لا تبتئس، أي: لا تأسف على ما صنعوا بي، وأمره بكتمان ذلك عنهم، وأن لا يطلعهم على ما أطلعه عليه من أنه أخوه، وتواطأ معه أنه سيحتال على أن يبقيه عنده معززاً، مكرّماً، معظماً".
قوله: آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ يذكرون في كتب التفسير أو ما تلقي من الإسرائيليات أنهم أحد عشر، ويقولون: إنه حينما استضافهم جعل كل اثنين في منزل في ضيافته، وبقي واحد وهو بنيامين فضمه إليه، وقال له: إني أنا أخوك، الظاهر المتبادر أنه أخبره أنه أخوه يوسف، وبعض المفسرين يقول: ما أخبره بهذا، وإنما قال: إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ يعني: اعتبرني أخاً لك، فلا تحزن، ولا تبتئس من عملهم، ومعاملتهم لك، أو أنا أخوك مكان ذلك الأخ الذي فقدته، لكن الظاهر المتبادر أنه أخبره أنه أخوه، وهنا أشار إلى أنه أخبره أنه سيحتال بحيلة، يقولون: إنه لما قال له: إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ أراد بنيامين أن يبقى معه، فقال له يوسف - عليه الصلاة والسلام - ذلك، وأخبره بأن هذا سيزيد في حزن أبيهم، ويضاعف ذلك الحزن عليه، وأنه لا يتمكن من أخذه إلا أن يحتال بحيلة ينادى عليه بها، فقال له: لا أبالي بما تفعل، فحصل ما حصل أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ [سورة يوسف:70] إلى آخره، وهذا جواب عن أسئلة ترد هنا وهي كيف روّع أخاه هذا الترويع، وأخذه على أساس أنه يسترقّه، ولا يجوز ترويع المسلم إلى آخره، بعضهم قال: أصلاً هذا كان باتفاق، وبنيامين يعلم، ويمكن أن يكون ذلك وقع بوحي الله إليه، أوحى إليه بهذا ففعله، وإذا قال قائل: هذا يترتب عليه عقوق ليعقوب - عليه الصلاة والسلام -، وزيادة الأذى والحزن حتى كف بصره، وتضاعفت عليه الهموم، والأحزان، فإذا قيل: إن هذا كان بوحي؛ فينتفي هذا الإشكال، وبعض أهل العلم يقول: إن هذه الأمور قدرها الله ، ورتبها من أجل أن يحصل له كمال الصبر، فيصل إلى مرتبة الصابرين، ثم بعد ذلك يحصل له ما يحصل من عظيم الثواب؛ إضافة إلى حسن العاقبة، فجرى له ما جرى مما قص الله بعد الامتحان، والابتلاء، كما امتحن الله إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - بأن يذبح وحيده، وفلذة كبده؛ ابتلاءً وامتحاناً، فالله يبتلي أولياءه، وعلى قدر مقامهم، وإيمانهم، كما أخبر النبي ﷺ عندما سُئل أي الناس أشد بلاء؟ فقال: الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل، فالأمثل من الناس، يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه...[1] على قدر دينه إن كان دينه صلباً شدد عليه في البلاء، والله المستعان.
- رواه أحمد في المسند (3/78)، برقم (1481)، وقال محققوه: إسناده حسن، والحاكم في المستدرك (1/99)، برقم (120)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (143)، وفي صحيح الجامع برقم (992).