الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
إِذْ قَالُوا۟ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰٓ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ۝ إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ۝ اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ۝ قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ [سورة يوسف(7-10)].

يقول تعالى: لقد كان في قصة يوسف وخبره مع إخوته آيات أي عبرة، ومواعظ للسائلين عن ذلك المستخبرين عنه، فإنه خبر عجيب يستحق أن يخبر عنه إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا أي: حلفوا فيما يظنون: والله ليوسف وأخوه يعنون بنيامين وكان شقيقه لأمه".

القسم ينقسم إلى قسمين: ظاهر، ومضمر، فالمضمر من القسم هو ما حذف منه فعل القسم، وحرف القسم، والمقسم به؛ هذا يقال له مضمر، ويستدل عليه باللام مثلاً إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ والتقدير أنهم قالوا: والله ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا.

وقوله: لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ أي: للسائلين عن خبره، بعضهم يقول: هذا في النبي ﷺ، وبعضهم يقول: لكل من سأل عنه أو طلب هذا، وبعضهم يذكر بعض المرويات التي لا تصح من أن بعض اليهود سألوا النبي ﷺ عن خبره اختباراً له، فالله أطلق هذا آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ بما تضمنته هذه السورة من الأمور العجيبة، والعواقب الحميدة، وما يدبره الله لأوليائه، وما يحصل لهم من الابتلاء، ونقلهم من حال إلى حال، ومن طورٍ إلى طور، حتى يبلغوا ألوان الكمالات إلى غير ذلك من العجائب الموجودة في هذه السورة.

قوله عن بنيامين: "وكان شقيقه لأمه"، هذا جاء في بعض الروايات، وهي متلقاة عن بني إسرائيل، كان شقيقه لأمه بمعنى أن شقيقه لأمه هو شقيقه لأمه وأبيه، ويقصد أن بقية الإخوة كانوا من أم أخرى، وبعض الروايات فيها غير هذا - فالله تعالى أعلم -.

"أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ أي جماعة، فكيف أحب ذيْنك الاثنين أكثر من الجماعة؟ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ يعنون في تقديمهما علينا، ومحبته إياهما أكثر منا".

الضلال في القرآن يأتي لمعنيين: المعنى الأول هو الغالب في الاستعمال وهو الذهاب عن الحق، هذا أكثر ما ورد فيه الضلال في القرآن غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ [سورة الفاتحة:7]، ورَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا [سورة الأعراف:38]، وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ [سورة الصافات:71]، وهم لا يقصدون هذا؛ لأنهم لو قصدوا هذا كفروا، كيف يقولون عن نبي كريم: إنه في ضلال، وإنما يقصدون المعنى الآخر الذي ربما يكون هو أصل معناه في لغة العرب وهو الذهاب عن حقيقة الشيء مطلقاً، فهو في ضلالٍ مبين، وكما قالوا أيضاً لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ [سورة يوسف:95] يعني الذهاب عن الحق في حقيقة ما وقع ليوسف - عليه الصلاة والسلام - هكذا، إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ أي: في ذهابٍ عن الحق في هذا التصرف، والنظر، حيث آثر اثنين على هؤلاء العصبة، والعصبة أكثر نفعاً ودفعاً، وهؤلاء صغار، فكيف يؤثرهم على البقية؟

هذا هو المقصود، وهذا معنىً معروف في كلام العرب كما جاء كثيراً في أشعارهم، ومن ذلك قولهم: ضل اللبن في الماء؛ يعني ذهب، أو ضل الماء في اللبن يعني ذهب، واختلط به، ولم يتميز، وهكذا يقال عن دفن الميت: إنه إضلال له؛ لأن هذا الميت يغيب في التراب.

فآبَ مُضلِّوه بعينٍ جليةٍ وغودر بالجولان حزمٌ ونائلُ

يعني بمضلوه أي دافنوه.

وقول الشاعر عندما يذكر الأطلال

ألم تسأل فتخبرك الديارُ عن الحي المضلل أين ساروا

فالحي العرب، والمضلل يعني الذاهب، أين ساروا يعني الذين ذهبوا.

فالمقصود بقوله: لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ أي: ذهابٍ عن الحق في هذه القضية بعينها.

قوله: وَنَحْنُ عُصْبَةٌ أي: ونحن جماعة، البعض يقول هم العشرة فما فوق، وقيل: من العشرة إلى الخمسة عشر هؤلاء يقال لهم عصبة.