قوله: اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا ربما يكون هذا باعتبار اختلاف الأقوال وليس باعتبار أن القائل واحد يقول اقتلوا يوسف، أو اطرحوه أرضاً، وإنما هذا مجموع الأقوال، والمعنى: اطرحوه أرضاً بعيدة لا يحصل له الرجوع بعد ذلك؛ لأن هذا الأب قد شغل عن هؤلاء الأولاد العصبة بهذين الولدين، هكذا في نظرهم، وأن هؤلاء قد استحوذوا على اهتمامه، شغلوا قلبه عنهم، فهم يقولون: يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ إذا تخلصتم من هؤلاء لم يكن لهذا الأب سواكم، فتستحوذوا على همه، وهذا كله من العجائب التي في قصة يوسف - عليه الصلاة والسلام -، فهؤلاء ليسوا بأناسٍ صغار، هؤلاء رجال كبار، وقيل: إنهم كانوا أنبياء، وهذا فيه بعد، يعني قد يكون حصلت لهم نبوة بعد ذلك؛ لكن كيف يقع من أنبياء محاولة قتل، أو التفكير في قتل أخ لهم، وهذا العقوق العظيم للأب، والكذب، هذا لا يقع من أنبياء، وإن قال بهذا بعض أهل العلم، فمهما يكن هؤلاء أولاد نبي كريم، وابن نبي ابن نبي، نسب ممتد بأنبياء، وجدهم إبراهيم ﷺ هو أبو الأنبياء، ومع ذلك يقع منهم مثل هذا، نبي قام بتربيتهم ومع ذلك وصل بهم الأمر إلى هذا الحد محاولة القتل أو الإلقاء في البئر، فلا يمكن للإنسان أن يفعل عشر معشار هذا بأبعد الناس إليه، فكيف يفعله بأقرب الناس إليه؟، وصغير يريدون قتله أمر عظيم، وشنيع؛ فهذه الغيرة وقعت من هؤلاء مع اجتماع هذه الأمور، ليسوا بأطفال، فهذا يدل على أن مثل هذه الأمور يجب مراعاتها في تربية الأولاد، أو التعامل مع الناس المشتركين في شيء واحد؛ لأن هذا يحرك الغيرة في نفوسهم سواء كانوا صغاراً، أو كباراً، إذا رأوا إيثاراً لأحدٍ منهم.
وهذه الأشياء التي ذكرها الله - تبارك وتعالى - عنهم بأنهم يريدون أن يفعلوا كل هذا، ثم يريدون أن يكونوا من بعده صالحين، على القول بأن المراد بذلك التوبة، كيف يقدم الإنسان على هذا ويرجو لنفسه التوبة بعده؟، وقول يعقوب ﷺ منذ البداية لولده: لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا وهذا لم يكن مستبعداً عند يعقوب - عليه الصلاة والسلام -؛ لذلك من الخطأ أن الإنسان يتحدث عن أمورٍ حباه الله بها، واختصه بها؛ عند كل أحد، يعني من الناس من يتحدث عن أشياء كثيرٌ من الناس قد فقدوها، من حاله، وما حصل له من التوفيق في تجارته، وفي زواجه، وفي دراست،ه وفي كذا، فهذا يحرك كثيراً من النفوس.
والتحدث بنعمة الله يمكن أن يحصل على سبيل الإجمال، لا يجحد، ولا ينكر؛ كما يفعل بعض الناس - والله المستعان -.
هذا المعنى الذي ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - اختاره جماعة، منهم كبير المفسرين ابن جرير أنهم أرادوا أن يفعلوا الذنب، ويتوبوا من بعده، فيكونوا قوماً صالحين يعني بالتوبة، وبعضهم يقول وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ يعني في أمور دينكم، وقيل: في دنياكم تَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ يعني تصلح لكم الحياة، وأمور المعاش، والعلاقة بالأب، فلا تبقى حالكم بهذه المثابة من اشتغال قلب أبيكم بيوسف وأخيه، فهذا الذي قد شغله عنكم يذهب، وبعد ذلك يكون نظره إليكم، فأفكارهم يحركها الحسد، والضغائن التي تقع في نفوسهم، وتتجدد كلما رأوا هذا الوالد قد اهتم به، وأولاه عنايةً.