الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا۟ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِى غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَٰعِلِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ قال قتادة ومحمد بن إسحاق: وكان أكبرهم واسمه روبيل، وقال السدي: الذي قال ذلك يهوذا، وقال مجاهد: هو شمعون الصفا".

هذا من الإسرائيليات التي لا فائدة من ذكرها، والتي كان ينبغي أن يخلو عنها هذا المختصر.

"لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ أي: لا تصلوا في عداوته وبغضه إلى قتله، ولم يكن لهم سبيل إلى قتله؛ لأن الله - تعالى - كان يريد منه أمراً لا بد من إمضائه، وإتمامه؛ من الإيحاء إليه بالنبوة، ومن التمكين له ببلاد مصر، والحكم بها، فصرفهم الله عنه بمقالة روبيل فيه، وإشارته عليهم بأن يلقوه في غيابة الجب، وهو أسفله".

الغيابة: كل شيء غيّب غيره يقال له غيابة؛ ولهذا جاء في سورة البقرة، وآل عمران: كأنهما غيابتان[1]، وفي صحيح مسلم عن أبي أمامة الباهلى قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: اقرءوا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرءوا الزهراوين: البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة[2]، فكل شيء غيّب غيره فإنه يقال له غيابة، وغَيَابَةِ الْجُبِّ الجب هو البئر العميقة جداً، بحيث إذا نظرت إلى قعرها فإنك لا تبصرها؛ لعمقها.

"يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ أي: المارة من المسافرين، فتستريحوا منه بهذا، ولا حاجة إلى قتله".

السيارة من السير، الجمع الذين يسيرون مع بعضهم يقال لهم سيارة، يسيرون في الطريق فيأخذونه، وبعضهم يفسر الالتقاط بمعنىً أخص من مجرد الأخذ وهو أخذ الشيء من مضيعة، الشيء المشرف على الضياع يقال له التقاط، والتقط؛ ولهذا يقال لقطة، ولقيط.

"إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ أي: إن كنتم عازمين على ما تقولون.

قال محمد بن إسحاق بن يسار: "لقد اجتمعوا على أمر عظيم من قطيعة الرحم، وعقوق الوالد، وقلة الرأفة بالصغير الضَّرَع الذي لا ذنب له، وبالكبير الفاني ذي الحق، والحرمة، والفضل، وخطره عند الله مع حق الوالد على ولده؛ ليفرقوا بينه وبين أبيه وحبيبه على كبر سنه، ورقة عظمه، مع مكانه من الله فيمن أحبه طفلاً صغيراً، وبين ابنه على ضعف قوته، وصغر سنه، وحاجته إلى لطف والده، وسكونه إليه".

يغفر الله لهم، وهو أرحم الراحمين، فقد احتملوا أمراً عظيماً، رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن الفضل عنه.

  1. صححه الألباني في صحيح الجامع برقم (13954)، من حديث النواس بن سمعان .
  2. رواه مسلم برقم (804)، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة القرآن، وسورة البقرة.