قال المفسر - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: وَهُوَ الّذِي مَدّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلّ الثّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي الْلّيْلَ النّهَارَ إِنّ فِي ذَلِكَ لآيات لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنّاتٌ مّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىَ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضّلُ بَعْضَهَا عَلَىَ بَعْضٍ فِي الأكل إِنّ فِي ذَلِكَ لآيات لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [سورة الرعد:3-4].
لما ذكر تعالى العالم العلوي، شرع في ذكر قدرته وحكمته وإحكامه للعالم السفلي، فقال: وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ أي: جعلها متسعة ممتدة في الطول والعرض، وأرساها بجبال راسيات شامخات، وأجرى فيها الأنهار والجداول والعيون، ليسقي ما جعل فيها من الثمرات المختلفة الألوان والأشكال والطعوم والروائح، مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ [سورة هود:40] أي: من كل شكل صنفان، يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ أي: جعل كلاً منهما يطلب الآخر طلباً حثيثاً، فإذا ذهب هذا غشيه هذا، وإذا انقضى هذا جاء الآخر، فيتصرف أيضاً في الزمان كما يتصرف في المكان والسكان، إِنّ فِي ذَلِكَ لآيات لّقَوْمٍ يَتفكرونَ أي: في آلاء الله وحكمه ودلائله.
قوله - تبارك وتعالى -: وَهُوَ الّذِي مَدّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلّ الثّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "ليسقي ما جعل فيها من الثمرات المختلفة الألوان والأشكال والطعوم والروائح، مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ أي: من كل شكل صنفان"، الزوج يطلق على الاثنين، فالرجل وامرأته زوجان، ويقال لكل واحد مزاوج زوج، كل واحد مزاوج للآخر زوج، فالمرأة زوج وبعلها زوج، المرأة تقول: هذا زوجي، والرجل يقول: هذه زوجي، على الأفصح في اللغة والأشهر، ويصح أن يقال: زوجتي، وإن كان قليل في الاستعمال في لغة العرب، فهذه الكلمة كلمة الزوج تطلق على الاثنين، يقال: هذا زوج من الآدميين، يعني على الرجل والمرأة، وهذا زوج من الطيور، يعني الذكر والأنثى، ويقال للواحد منهما المزاوج للآخر، فهذه الكلمة تأتي لهذا وهذا في كلام العرب، والمراد بالزوج في قوله: مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ والله تعالى أعلم الواحد، ولذا ذكر بعده ما يوضحه ويبينه قال: اثْنَيْنِ، والمحترزات في القرآن والقيود تأتي في كل موضع بحسبه، تارة تكون لدفع توهم، مثل دفع توهم الإفراد مثل كلمة "زوج" تأتي للواحد المزاوج للآخر، وتأتي للاثنين، فقال الله تعالى: مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، يقول الحافظ: "من كل شكل صنفان"، وعليه عامة المفسرين من السلف فمن بعدهم، أن المراد صنفان مثل الحلو والحامض في الثمار، البرودة والحرارة، واليبوسة والرطوبة، السواد والبياض في الألوان، ويدخل في ذلك الذكر والأنثى، لكن عامة المفسرين ما حملوا الزوجين على الذكر والأنثى، وإنما جعلوا ذلك بمعنى الصنفين، إلا قليل منهم كالفراء، فإنه فسر ذلك بالذكر والأنثى.