الإثنين 07 / ذو القعدة / 1446 - 05 / مايو 2025
مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمْ ۖ أَعْمَٰلُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِى يَوْمٍ عَاصِفٍ ۖ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا۟ عَلَىٰ شَىْءٍ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَٰلُ ٱلْبَعِيدُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

مّثَلُ الّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدّتْ بِهِ الرّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاّ يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُواْ عَلَىَ شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضّلاَلُ الْبَعِيدُ [سورة إبراهيم:18].

هذا مثل ضربه الله تعالى لأعمال الكفار الذين عبدوا معه غيره، وكذبوا رسله، وبنوا أعمالهم على غير أساس صحيح، فانهارت، وعدموها أحوج ما كانوا إليها، فقال تعالى: مّثَلُ الّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ أَعْمَالُهُمْ أي: مثل أعمالهم يوم القيامة إذا طلبوا ثوابها من الله تعالى؛ لأنهم كانوا يحسبون أنهم كانوا على شيء فلم يجدوا شيئاً، ولا ألفوا حاصلاً إلا كما يُتحصل من الرماد إذا اشتدت به الريح العاصفة، فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ أي: ذي ريح شديدة عاصفة قوية، فلم يقدروا على شيء من أعمالهم التي كسبوا في الدنيا إلا كما يقدرون على جمع هذا الرماد في هذا اليوم، كقوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [سورة الفرقان:23]، وقوله تعالى: مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [سورة آل عمران:117]، وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [سورة البقرة:264]، وقوله في هذه الآية ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ أي: سعيهم وعملهم على غير أساس ولا استقامة حتى فقدوا ثوابهم أحوج ما كانوا إليه ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ.

قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في قول الله تعالى: مّثَلُ الّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ أَعْمَالُهُمْ الآية: "فشبه تعالى أعمال الكفار في بطلانها وعدم الانتفاع بها برماد مرت عليه ريح شديدة في يوم عاصف، فشبه سبحانه أعمالهم في حبوطها وذهابها باطلاً كالهباء المنثور - لكونها على غير أساس من الإيمان والإحسان، وكونها لغير الله وعلى غير أمره - برماد طيرته الريح العاصف، فلا يقدر صاحبه على شيء منه وقت شدة حاجته إليه؛ فلذلك قال: لاّ يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُواْ عَلَىَ شَيْءٍ لا يقدرون يوم القيامة مما كسبوا من أعمالهم على شيء فلا يرون له أثراً من ثواب ولا فائدة نافعة، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه، موافقاً لشرعه، والأعمال أربعة فواحد مقبول وثلاثة مردودة، فالمقبول: الخالص الصواب، فالخالص أن يكون لله لا لغيره، والصواب أن يكون مما شرعه الله على لسان رسوله ﷺ، والثلاثة المردودة ما خالف ذلك.

وفي تشبيهها بالرماد سر بديع، وذلك للتشابه الذي بين أعمالهم وبين الرماد في إحراق النار وإذهابها لأصل هذا وهذا، فكانت الأعمال التي لغير الله وعلى غير مراده طعمة للنار، وبها تسعر النار على أصحابها، وينشئ الله سبحانه لهم من أعمالهم الباطلة ناراً وعذاباً، كما ينشىء لأهل الأعمال الموافقة لأمره ونهيه التي هي خالصة لوجهه من أعمالهم نعيماً وروحاً، فأثّرت النار في أعمال أولئك حتى جعلتها رماداً، فهم وأعمالهم وما يعبدون من دون الله وقود النار"[1].

وجه تشبيهها بالرماد ولم يشبهها بالدقيق أنه لا يقدر من هذا على شيء ولا يبقى منه شيء، هذا في أصل المثل، فهذه قد احترقت بالنار وتحولت من شيء إلى شيء، وتحول الرماد إلى شيء لا ينتفع به أصلاً، فجاءت الريح فأطارت به، فهؤلاء أعمالهم التي عملوها من صدقة ونحو ذلك، لمّا خالطتها نجاسة الشرك وكانت لغير الله ، صارت بمنزلة هذا الرماد، وجاءت عليه الريح، وصورة هذا المثل أن أعمال الكفار كرماد اشتدت به الريح فلا يبقى منه شيء، ولا ينتفعون بشيء.

  1. الأمثال في القرآن الكريم للإمام ابن القيم (34)، تحقيق: إبراهيم بن محمد، مكتبة الصحابة، سنة النشر: 1406 هـ.