الأربعاء 06 / محرّم / 1447 - 02 / يوليو 2025
رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِى وَلِوَٰلِدَىَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

ثم قال: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ أي: محافظاً عليها مقيماً لحدودها، وَمِنْ ذُرِّيَّتِي أي: واجعلهم كذلك مقيمين لها، رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ أي: فيما سألتك فيه كله، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وكان هذا قبل أن يتبرأ من أبيه لما تبيّن له عداوته لله .

قوله: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ قال: "أي: محافظاً عليها مقيماً لحدودها، وَمِنْ ذُرِّيَّتِي: أي واجعلهم كذلك مقيمين لها"، وَمِنْ ذُرِّيَّتِي يمكن أن تكون "مِن" هنا تبعيضية، ويمكن أن تكون بيانية، كما في قوله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [سورة آل عمران:104]، والفرق بينهما أنها إذا كانت تبعيضية فهي دعاء للبعض، وإذا كانت بيانية فإنها دعاء للجميع، مثل قول الإنسان لأولاده: أريد منكم أبناء بررة، لا يقصد أن بعضهم يكون كذلك، والتبعيضية كأن يقول: أريد منكم فقهاء، وأطباء، فهو يقصد أن بعضهم يكون هكذا وأن البعض يكون هكذا، وقوله: رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ قال: "أي: فيما سألتك فيه"، فهذا من الحافظ ابن كثير - رحمه الله - يُعد - كما هو ظاهر - تفسيراً للدعاء بالسؤال، وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ؛ لأنه هو يدعو، فهو يطلب من ربه أن يتقبل دعاءه أي مسألته التي سألها، تقبل دعائي، وهذا هو الظاهر المتبادر، وهذا المقام مقام طلب وسؤال، وابن جرير ذهب إلى أن المراد بـ وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ أي: تقبل عبادتي، فالدعاء يأتي بمعنى العبادة، ولا يخفى أن بين الأمرين ملازمة، فالسؤال هو عبادة من أجلّ العبادات؛ ولذلك فإن الحافظ ابن القيم - رحمه الله - عمّمه، رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ أي: تقبل سُؤْلي وتقبل عبادتي، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ، دعاء لوالديه، بعضهم يقول: إن أمه كانت مسلمة، ولا دليل عليه، وليس فيه جواب عن السؤال الذي سأله الصحابة بأن إبراهيم استغفر لأبيه وهو مشرك قطعاً، فالحاصل أنه جاء في بعض القراءات غير المتواترة - قراءة سعيد بن جبير - الإفراد: اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدِي، وجاء في قراءة إبراهيم النخعي: اغْفِرْ لِي وَلِوَلَدَيَّيعني: إسماعيل وإسحاق، وهذه قراءات شاذة، فإبراهيم دعا لأبيه، ودعا لوالديه؛ وذلك قبل أن ينهاه الله - تبارك وتعالى - عن هذا، رجاء أن يفتح الله على قلوبهما فيدخلا الإسلام، والله يقول: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ [سورة التوبة:114].

وَلِلْمُؤْمِنِينَ أي: كلهم، يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ أي: يوم تحاسب عبادك فتجازيهم بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

قوله: يَقُومُ الْحِسَابُ أي: يقوم الناس للحساب، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة المطففين:6]، ظاهر اللفظ واضح لا حاجة للتقدير: يوم يقوم الناس للحساب، يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ أي: يقام الحساب والسؤال، كما هو الظاهر المتبادر.