قوله: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ [سورة القمر:7]، فالإهطاع فسره الحافظ بالإسراع، وهذا قال به طائفة من السلف، ومن بعدهم، والشنقيطي - رحمه الله - يرجح هذا المعنى، وفُسر بغير هذا فقيل: المُهطِع: هو الذي ينظر بذل وخشوع، وقيل: المهطع هو الذي يديم النظر، مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ ينظرون إليه، لا ينظرون إلى شيء آخر، وقيل: هو الذي لا يرفع رأسه من الخضوع، وبعضهم يفسره بالساكت، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ وتفسيره بأنه الذي لا يرفع رأسه يصير مكرراً مع قوله: مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ إذا فسر إقناع الرأس بتنكيسه وطأطأته، فيكون ذلك تكراراً، إذا فسر بهذا.
قوله: مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ فُسر بالرفع، وفسر بطأطأة الرأس وتنكيسه، فسر بهذا وهذا، ورافعي رءوسهم ليس من العز، وإنما ينظرون إلى الداعي، قد شخصت أبصارهم.
إذا فسر إقناع الرأس بمعنى تنكيسه فتكون شاخصة أبصارهم لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ يعني ينظرون إلى الأرض بصورة قد شخصت فيها أبصارهم، أو أنهم قد رفعوا أبصارهم إلى الداعي ينظرون إليه نظراً مستمراً، والثاني هو الأقرب، - والله أعلم -.
وقوله: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ، العرب تقول للشيء الفارغ: أجوف، ويقولون: هواء، كما قال حسان حينما هجا أبا سفيان بن الحارث:
ألا أبلغْ أبا سفيانَ عني | فأنتَ مجوفٌ نخبٌ هواء[1] |
يعني يتهمه بالجبن والخور والضعف، فيكون قلبه هواء، كما يقال في الحرب أو الخوف: انتفخ سحره، والعرب تعبر بذلك يقولون: إن الرئة تنتفخ مع الخوف، وذكره بعضهم عند قوله تعالى: وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ [سورة الأحزاب:10]، بعضهم حملوه على ظاهره، قالوا: وصل القلب إلى هذا المكان، والعرب تعبر بمثل هذا عن الخوف أو عن فراغ القلب من كل شيء، والله قال عن أم موسى : وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا [سورة القصص:10] مع الفارق بين الموضعين، فَارِغًا قالوا: أي من كل شيء إلا من ذكر موسى ، والقصد أنه عبر عن الفؤاد بالفراغ، فقال: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ أي: أن قلوبهم خالية، فلا تفسر بأنها ارتفعت إلى أعلى المكان؛ لأنه قال عن نفس الأفئدة: إنها هواء، فدل على أن هذه القلوب قد امتلأت بالخوف، فما عاد أصحابها يعقلون شيئاً، ولهذا وصفهم الله - تبارك وتعالى - في موضع آخر بالسكر، سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى [سورة الحـج:2]، فلا يعقل شيئاً من شدة الهول الذي رآه أو نزل به، والمعنى الظاهر والمتبادر والذي عليه المحققون أن قلوبهم خالية ليس فيها شيء، وهو اختيار كبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله -، ولا حاجة لأن يقال: إن قلوبهم لما وصلت الحناجر صارت هواء بهذا الاعتبار.
- المستقصى في أمثال العرب لأبي القاسم الزمخشري (1/386)، دار الكتب العلمية -بيروت، ط2، سنة النشر: 1987م.