الثلاثاء 05 / محرّم / 1447 - 01 / يوليو 2025
يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلْأَرْضُ غَيْرَ ٱلْأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ ۖ وَبَرَزُوا۟ لِلَّهِ ٱلْوَٰحِدِ ٱلْقَهَّارِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

ولهذا قال: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ أي: وعده هذا حاصل يوم تبدل الأرض غير الأرض، وهي هذه على غير الصفة المألوفة المعروفة، كما جاء في الصحيحين عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله ﷺ: يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقيّ ليس فيها معلم لأحد[1].

وروى الإمام أحمد عن عائشة - ا - أنها قالت: أنا أول الناس سأل رسول الله ﷺ عن هذه الآية يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ [سورة إبراهيم:48] قالت: قلت أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: على الصراط[2]. رواه مسلم منفرداً به دون البخاري، والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح.

وقال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه: إن ثوبان مولى رسول الله ﷺ حدثه قال: كنت قائماً عند رسول الله ﷺ فجاءه حبر من أحبار اليهود، فقال: السلام عليك يا محمد، فدفعته دفعة كاد يصرع منها، فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول يا رسول الله؟ فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله، فقال رسول الله ﷺ: إن اسمي محمدٌ الذي سماني به أهلي فقال اليهودي: جئت أسألك، فقال رسول الله ﷺ: أينفعك شيءٌ إن حدثتك؟ قال: أسمع بأذني، فنكت رسول الله ﷺ بعود معه فقال: سل فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال رسول الله ﷺ: هم في الظلمة دون الجسر قال: فمن أول الناس إجازة؟ فقال: فقراء المهاجرين، فقال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد النون قال: فما غذاؤهم في أثرها؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها قال: فما شرابهم عليه؟ قال: من عين فيها تسمى سلسبيلاً، قال: صدقت، قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان، قال: أينفعك إن حدثتك؟ قال: أسمع بأذني. قال: جئت أسألك عن الولد، قال: ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا منيُّ الرجل منيَّ المرأة، أذْكَرا بإِذن الله تعالى، وإذا علا منيُّ المرأة منيَّ الرجل، أنّثا بإذن الله قال اليهودي: لقد صدقت وإنك لنبي، ثم انصرف، فقال رسول الله ﷺ: لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه، وما لي علم بشيء منه حتى أتاني الله به[3].

وقوله: وَبَرَزُوا لِلَّهِ أي: خرجت الخلائق جميعها من قبورهم لله، الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ أي: الذي قهر كل شيء وغلبه ودانت له الرقاب وخضعت له الألباب.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فأورد ابن كثير – رحمه الله – في تفسير قوله - تبارك وتعالى -: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [سورة إبراهيم:48] حديث سهل بن سعد : يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي، والمقصود بقرصة النقي، أي: الدقيق الأبيض الذي يقال له: الحواري.

ومعنى التبديل في قوله – تبارك وتعالى - يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ أي: تبديل الذات، فتبدل أرضاً أخرى غير هذه الأرض، ويحتمل أن يكون معنى التبديل من قبيل تبديل الصفات، وهذا عليه أكثر العلماء، والآية تحتمل المعنيين، وقد أخبر الله - تبارك وتعالى - عن تسيير الجبال، وبروز الناس لرب الناس، فإذا تأمل الإنسان النصوص في هذا الباب يجد أن المقصود بالتبديل هو تبديل الصفات.

وقول النبي ﷺ هم في الظلمة دون الجسر يَحتمِل احتمالاً قوياً أن المقصود بالتبديل هو تبديل الذات، مع أنه لا يمتنع أن يكون المقصود به تبديل الصفات، وعندئذ يُنقلون منها، والله تعالى أعلم.

قوله: زيادة كبد النون يعني: الحوت.

وقول النبي ﷺ: ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل...، يثبت أن الإنسان يخلق من مجموع الماءين، وقد قال الله – تبارك وتعالى -: فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ۝ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ۝ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق:5-7]، وقد قال كثير من أهل العلم: إن خلْق الإنسان هو من صلب الرجل وترائب المرأة وهو عظام الصدر، وأخبر النبي ﷺ عن شبه الولد لأمه، فعن أم سلمة - ا - أن أم سليم قالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة غسل إذا احتلمت؟، قال: نعم إذا رأت الماء فضحكت أم سلمة، فقالت: أتحتلم المرأة؟ فقال النبي ﷺ: فبم شبه الولد؟[4].

والعجيب أن الأطباء المعاصرين إلى الآن ما توصلوا إلى أن الولد يخلق من ماء الرجل وماء المرأة، ويقولون: إن المرأة ليس لها ماء أصلاً، وغاية ما هنالك أن الحيوان المنوي يلقح البويضة، وليس هناك علاقة بين ماء المرأة وماء الرجل.

  1. رواه البخاري، كتاب الرقائق، باب يقبض الله الأرض يوم القيامة (5 / 2390)، برقم (6156)، ومسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب في البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة (4 / 2150)، برقم (2790).
  2. رواه مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب في البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة (4/2150)، برقم (2791).
  3. رواه مسلم، كتاب الحيض باب بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما (1 / 252)، برقم (315).
  4. رواه البخاري، كتاب الأدب، باب التبسم والضحك وقالت فاطمة - عليها السلام - أسر إلي النبي ﷺ فضحكت وقال بن عباس إن الله هو أضحك وأبكى (5/2260)، برقم (5740).