ولهذا قال: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ أي: وعده هذا حاصل يوم تبدل الأرض غير الأرض، وهي هذه على غير الصفة المألوفة المعروفة، كما جاء في الصحيحين عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله ﷺ: يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقيّ ليس فيها معلم لأحد[1].
وروى الإمام أحمد عن عائشة - ا - أنها قالت: أنا أول الناس سأل رسول الله ﷺ عن هذه الآية يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ [سورة إبراهيم:48] قالت: قلت أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: على الصراط[2]. رواه مسلم منفرداً به دون البخاري، والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه: إن ثوبان مولى رسول الله ﷺ حدثه قال: كنت قائماً عند رسول الله ﷺ فجاءه حبر من أحبار اليهود، فقال: السلام عليك يا محمد، فدفعته دفعة كاد يصرع منها، فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول يا رسول الله؟ فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله، فقال رسول الله ﷺ: إن اسمي محمدٌ الذي سماني به أهلي فقال اليهودي: جئت أسألك، فقال رسول الله ﷺ: أينفعك شيءٌ إن حدثتك؟ قال: أسمع بأذني، فنكت رسول الله ﷺ بعود معه فقال: سل فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال رسول الله ﷺ: هم في الظلمة دون الجسر قال: فمن أول الناس إجازة؟ فقال: فقراء المهاجرين، فقال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد النون قال: فما غذاؤهم في أثرها؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها قال: فما شرابهم عليه؟ قال: من عين فيها تسمى سلسبيلاً، قال: صدقت، قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان، قال: أينفعك إن حدثتك؟ قال: أسمع بأذني. قال: جئت أسألك عن الولد، قال: ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا منيُّ الرجل منيَّ المرأة، أذْكَرا بإِذن الله تعالى، وإذا علا منيُّ المرأة منيَّ الرجل، أنّثا بإذن الله قال اليهودي: لقد صدقت وإنك لنبي، ثم انصرف، فقال رسول الله ﷺ: لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه، وما لي علم بشيء منه حتى أتاني الله به[3].
وقوله: وَبَرَزُوا لِلَّهِ أي: خرجت الخلائق جميعها من قبورهم لله، الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ أي: الذي قهر كل شيء وغلبه ودانت له الرقاب وخضعت له الألباب.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فأورد ابن كثير – رحمه الله – في تفسير قوله - تبارك وتعالى -: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [سورة إبراهيم:48] حديث سهل بن سعد : يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي، والمقصود بقرصة النقي، أي: الدقيق الأبيض الذي يقال له: الحواري.
ومعنى التبديل في قوله – تبارك وتعالى - يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ أي: تبديل الذات، فتبدل أرضاً أخرى غير هذه الأرض، ويحتمل أن يكون معنى التبديل من قبيل تبديل الصفات، وهذا عليه أكثر العلماء، والآية تحتمل المعنيين، وقد أخبر الله - تبارك وتعالى - عن تسيير الجبال، وبروز الناس لرب الناس، فإذا تأمل الإنسان النصوص في هذا الباب يجد أن المقصود بالتبديل هو تبديل الصفات.
وقول النبي ﷺ هم في الظلمة دون الجسر يَحتمِل احتمالاً قوياً أن المقصود بالتبديل هو تبديل الذات، مع أنه لا يمتنع أن يكون المقصود به تبديل الصفات، وعندئذ يُنقلون منها، والله تعالى أعلم.
قوله: زيادة كبد النون يعني: الحوت.
وقول النبي ﷺ: ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل...، يثبت أن الإنسان يخلق من مجموع الماءين، وقد قال الله – تبارك وتعالى -: فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق:5-7]، وقد قال كثير من أهل العلم: إن خلْق الإنسان هو من صلب الرجل وترائب المرأة وهو عظام الصدر، وأخبر النبي ﷺ عن شبه الولد لأمه، فعن أم سلمة - ا - أن أم سليم قالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة غسل إذا احتلمت؟، قال: نعم إذا رأت الماء فضحكت أم سلمة، فقالت: أتحتلم المرأة؟ فقال النبي ﷺ: فبم شبه الولد؟[4].
والعجيب أن الأطباء المعاصرين إلى الآن ما توصلوا إلى أن الولد يخلق من ماء الرجل وماء المرأة، ويقولون: إن المرأة ليس لها ماء أصلاً، وغاية ما هنالك أن الحيوان المنوي يلقح البويضة، وليس هناك علاقة بين ماء المرأة وماء الرجل.
- رواه البخاري، كتاب الرقائق، باب يقبض الله الأرض يوم القيامة (5 / 2390)، برقم (6156)، ومسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب في البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة (4 / 2150)، برقم (2790).
- رواه مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب في البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة (4/2150)، برقم (2791).
- رواه مسلم، كتاب الحيض باب بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما (1 / 252)، برقم (315).
- رواه البخاري، كتاب الأدب، باب التبسم والضحك وقالت فاطمة - عليها السلام - أسر إلي النبي ﷺ فضحكت وقال بن عباس إن الله هو أضحك وأبكى (5/2260)، برقم (5740).