الثلاثاء 05 / محرّم / 1447 - 01 / يوليو 2025
وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِى ٱلْأَصْفَادِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

 
قوله: وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ۝ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ۝ لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [ إبراهيم:49-51].

يقول تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وتبرز الخلائق لديانها، ترى يا محمد يومئذ المجرمين وهم الذين أجرموا بكفرهم وفسادهم مّقَرّنِينَ أي: بعضهم إلى بعض قد جمع بين النظراء أو الأشكال منهم كل صنف إلى صنف، كما قال تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ [الصافات:22] وقال: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكوير:7]، وقال: وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا [الفرقان:13]، وقال: وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ ۝ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ [ص:37-38] والأصفاد هي القيود، قاله ابن عباس - ا - وسعيد بن جبير والأعمش وعبد الرحمن بن زيد، وهو مشهور في اللغة.

قوله - تبارك وتعالى -: وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ [إبراهيم:49] يحتمل أن يكون المعنى أن المجرم يقرن بغيره من المجرمين، وهذا هو قول العلامة ابن كثير - رحمه الله -، ويحتمل أن يكون المعنى أن المجرم قرن وربطت يداه إلى رجليه.

وقوله: سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ [إبراهيم:50] أي: ثيابهم التي يلبسونها من قطران، وهو الذي تُهنأ به الإبل، أي: تطلى، قال قتادة: وهو ألصق شيء بالنار.

يحتمل أن تكون كلمة "قطران" كلمة واحدة، وهو القطران المعروف الذي تطلى به الإبل، ويحتمل أن تكون كلمتين "قطر" و"آن" أي: حار، والمقصود به النحاس المذاب الحار، وهذا مثال على أحد الأسباب التي جعلت العلماء  - رحمهم الله - يختلفون في عد كلمات القرآن.

وكان ابن عباس - ا - يقول: القطران هنا النحاس المذاب، وربما قرأها سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطرٍ آنٍ أي: من نحاس حار قد انتهى حره، وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة.

وقوله: وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ كقوله: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ، وقال الإمام أحمد - رحمه الله -: حدثنا يحيى بن إسحاق قال: أنبأنا أبان بن يزيد، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد، عن أبي سلام، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله ﷺ: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت، والنائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جَرَب[1]. انفرد بإخراجه مسلم.

  1. رواه مسلم، كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة (2 / 644)، برقم (934).