السبت 19 / ذو القعدة / 1446 - 17 / مايو 2025
وَٱلْأَرْضَ مَدَدْنَٰهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَٰسِىَ وَأَنۢبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَىْءٍ مَّوْزُونٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المفسر - رحمه الله تعالى - في تتمة تفسير قول الله - جل وعلا -: وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ [سورة الحجر:19].

قال: ثم ذكر تعالى خلقه الأرض ومده إياها وتوسيعها وبسطها، وما جعل فيها من الجبال الرواسي، والأودية والأراضي والرمال، وما أنبت فيها من الزروع والثمار المتناسبة.

وقال ابن عباس - ا -: مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ أي: معلوم، وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة وأبو مالك ومجاهد والحكم بن عتيبة والحسن بن محمد وأبو صالح وقتادة.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله - تبارك وتعالى -: وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ، قال: "أي: معلوم"، وبعضهم فسره مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ أي: مقدر، يعني أنزله الله  بقدر قدّره، وبعضهم قال: أي: معدود، وبعضهم يقول: مقسوم، وبعضهم يقول: بميزان مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ أي: بميزان الحكمة، وهذه الأقوال لا منافاة بينها، وهي من اختلاف التنوع، أنزل من كل شيء موزون يعني أن الله لم ينزل هذه الأشياء بلا تقدير، وإنما أنزل ذلك وفق حكمته بقدر قدّره، يعلم أن المصلحة والحكمة تقتضيه، كما قال سبحانه: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء [سورة الشورى:27]، هذا في أرزاق الناس، وهكذا ما ينزل عليهم من المطر وغير ذلك إنما هو بقدر قدّره الله فلا ينزل في محل، ولا ينزل قطرة إلا بقدر، فيوجد نوع من الغزلان مثلاً في بعض الأماكن في أمريكا، هذه الفصيلة تتغذى على نباتات موجودة في تلك الناحية، ولكنها تتكاثر بسرعة، فكان يوجد نمور تفترس هذه الغزلان، فقاموا بقتل كثير من هذه النمور، فتكاثرت الغزلان جداً، وأكلت كل هذا النوع من النباتات، ولم يبق شيء، فصارت تتساقط وتموت بكميات كبيرة، فالله ​​​​​​​ نزل هذه الأشياء بقدر معلوم، بقدر معلوم متوازن، فكل هذه المعاني التي ذكرها السلف سواء من قال: بميزان الحكمة، أو قال: بقدر الحاجة، أو قال: معدود، أو قال: مقسوم، كلها معانٍ متقاربة، وبعضهم يقول: الموزون: هو المحكوم بحسنه، كما تقول: هذا كلام موزون، فلان كلامه موزون أي ليس فيه ما يعاب عليه وكلامه حسن مرتب، لا خطل فيه ولا شطط ولا خلل، وهذا المعنى لا ينافي المعاني السابقة، فإذا كان الشيء مقدراً موزوناً بميزان الحكمة، فهذا مثل قول الناس: هذا قول موزون، كلام موزون، فلان هذا يزن فعله، يزن تصرفاته أي أنه يضبطها، فتكون على وجه حسن.