قال المصنف - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي خَالِقٌ بَشَراً مّن صَلْصَالٍ مّنْ حَمَإٍ مّسْنُونٍ فَإِذَا سَوّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ سَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَىَ أَن يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ لَمْ أَكُن لأسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مّنْ حَمَإٍ مّسْنُونٍ [سورة الحجر:28-33].
يذكر تعالى تنويهه بذكر آدم في ملائكته قبل خلقه له، وتشريفه إياه بأمر الملائكة بالسجود له، ويذكر تخلف إبليس عدوه عن السجود له من بين سائر الملائكة؛ حسداً وكفراً وعناداً واستكباراً وافتخاراً بالباطل؛ ولهذا قال: لَمْ أَكُن لأسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مّنْ حَمَإٍ مّسْنُونٍ، كقوله: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [سورة الأعراف:12]، وقوله: أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ [سورة الإسراء:62] الآية.
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنّكَ رَجِيمٌ وَإِنّ عَلَيْكَ اللّعْنَةَ إِلَىَ يَوْمِ الدّينِ قَالَ رَبّ فَأَنظِرْنِي إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَىَ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ [سورة الحجر:34-38].
يذكر تعالى أنه أمر إِبليس أمراً كونياً لا يخالف ولا يمانع بالخروج من المنزلة التي كان فيها من الملأ الأعلى، وأنه رجيم: أي مرجوم، وأنه قد أتبعه لعنة لا تزال متصلة به لاحقة له متواترة عليه إلى يوم القيامة، وعن سعيد بن جبير أنه قال: لما لعن الله إِبليس، تغيرت صورته عن صورة الملائكة، ورن رنة، فكل رنة في الدنيا إلى يوم القيامة منها، رواه ابن أبي حاتم[1].
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله - تبارك وتعالى -: وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي خَالِقٌ بَشَراً مّن صَلْصَالٍ مّنْ حَمَإٍ مّسْنُونٍ فَإِذَا سَوّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ، فهذه الآية دلت على أن الله - تبارك وتعالى - أمرهم بالسجود لآدم قبل أن يخلقه، حينما أخبرهم بخلقه، وقال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا [سورة البقرة:30]، فأخبرهم عن خلقه، ثم بعد ذلك بعدما خلقه قال: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ [سورة البقرة:34]، هذا ظاهره أنه بعد خلقه؛ لأن الله قال: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ [سورة البقرة:31]، فبين لهم فضله ثم أمرهم بالسجود له، وفي هذه الآية فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ، ويمكن أن يكون - والله تعالى أعلم - أن الله أعلمهم بخلقه، وأمرهم بالسجود له إذا خلقه.
- انظر: تفسير ابن أبي حاتم (9/61).