وقوله: وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ أي: من قبل الإنسان مِن نّارِ السّمُومِ قال ابن عباس - ا -: هي السموم التي تقتل.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: دخلت على عمر الأصم أعوده، فقال: ألا أحدثك حديثاً سمعته من عبد الله بن مسعود، يقول: هذه السَّموم جزء من سبعين جزءاً من السموم التي خلق منها الجان، ثم قرأ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ. وقد ورد في الصحيح: خُلقت الملائكة من نور، وخلقت الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم[1]. والمقصود من الآية التنبيه على شرف آدم وطيب عنصره وطهارة محتده.
قول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - عن ابن عباس - ا -: "هي السموم التي تقتل"، أصل السموم هي الريح الحارة التي تتخلل المسام، ولهذا سميت بهذا الاسم، وقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "طهارة محتده" يعني طهارة أصله، وطهارة معدنه، والله أخبر عن خلق الجن فقال: مِن نّارِ السّمُومِ يعني: الحارة، وأخبر أنه خلق الجان من مارج من نار، والمارج: هو أعلاها، ما يكون في أعلى النار؛ ولهذا أخذ منه بعض أهل العلم أن الجن كما يقول شيخ الإسلام: فيهم خفة أعظم مما في الإنس، والعلماء لما ردوا على إبليس في قياسه الفاسد قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ [سورة الأعراف:12] ردوا عليه من عدة أوجه، من ضمن الأوجه التي ردوا عليه فيها أنهم قالوا: إن الطين أشرف من النار، فالطين تضع فيه الحبة وتخرج سنبلة، والنار لا تضع فيها شيئاً إلا أحرقته، فهي تتلف، ثم الطين فيه من الرزانة ما ليس في النار، إلى غير ذلك من الوجوه التي ردوا عليه فيها، فالشاهد أن الجن خلقوا من مارج من نار، ولا شك أن أصل آدم أشرف وأفضل من أصل إبليس، والله عليم حكيم، ولهذا كان في البشر من الرزانة ما ليس في الجن، وفيهم من الهداية والاستقامة والعلم، وفيهم النبوة، والصلاح فيهم أعظم وأكثر مما هو في الجن - والله تعالى أعلم -.
- رواه مسلم برقم (2996)، كتاب الزهد والرقائق، باب في أحاديث متفرقة.