الأحد 20 / ذو القعدة / 1446 - 18 / مايو 2025
إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [سورة الحجر:42] أي: الذين قدرتُ لهم الهداية فلا سبيل لك عليهم ولا وصول لك إليهم إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ استثناء منقطع، وقد أورد ابن جرير ههنا عن  يزيد بن قسيط قال: كانت الأنبياء يكون لهم مساجد خارجةً من قراهم، فإذا أراد النبي أن يستنبىء ربه عن شيء خرج إلى مسجده فصلى ما كتب الله له، ثم سأله ما بدا له، فبينا نبي في مسجده إِذ جاء عدو الله   ـ يعني إِبليس ـ حتى جلس بينه وبين القبلة، فقال النبي:"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" فقال عدو الله: أرأيت الذي تَعَوّذ منه؟ فهو هو، فقال النبي: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، قال: فردد ذلك ثلاث مرات، فقال عدو الله: أخبرني بأي شيء تنجو مني؟

قوله: "أرأيت هذا الذي تتعوذ منه؟ فهو هو"، عبر بضمير الغائب تأدباً؛ حتى لا يضيف القارئ هذا إلى نفسه، أو الناقل أو الراوي، تأدباً قال: "فهو هو"، كما في قصة أبي طالب لما دعاه النبي ﷺ إلى الإيمان، قال: هو على ملة عبد المطلب([1])، والأصل أنه قاله بضمير المتكلم، لكن لا يحسن بالإنسان أن ينسب إلى نفسه شيئاً قبيحاً مثل هذا، فكانوا يتنزهون ويتأدبون في العبارة، يقول له: إن الذي تستعيذ منه حاضر عندك، قد حضر، يعني الشيطان، ولكن مثل هذه الرواية في الغالب مأخوذة عن بني إسرائيل.

فقال عدو الله: أخبرني بأي شيء تنجو مني؟ فقال النبي: بل أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم؟ مرتين، فأخذ كل واحد منهما على صاحبه، فقال النبي: إن الله تعالى يقول: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ، قال عدو الله: قد سمعت هذا قبل أن تولد. قال النبي: ويقول الله: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [سورة الأعراف:200]، وإني والله ما أحسست بك قط إلا استعذت بالله منك. قال عدو الله: صدقت، بهذا تنجو مني، فقال النبي: أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم؟ قال آخذه عند الغضب والهوى.

يعني الإنسان يقع في المعصية ثم يدرك أن ذلك من الشيطان، إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ۝ وَإِخْوَانُهُمْ [سورة الأعراف:201-202] يعني إخوان الشياطين يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ، يَمُدُّونَهُمْ أي: أن الشياطين تمدهم في الغي فيزدادون غياً وضلالاً وإعراضاً عن الله ، والمؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين، ومع ذلك إبليس يوقعه مرة بعد مرة بعد مرة في معصية الله - تبارك وتعالى -، ويقولون: إن إبليس جاء إلى آدم حينما حملت حواء، وقبل ذلك جاءه وأخرجه من الجنة، وحينما حملت حواء جاءه كما في قوله: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [سورة الأعراف:190]، ذهب كثير من السلف من الصحابة فمن بعدهم في تفسير الآية إلى أن ذلك في تسمية الولد، ولد آدم، قال: سمياه عبد الحارث، ولكن مثل هذا لا يثبت، ولا يعول عليه ولا يظن هذا بأهل الإيمان فضلاً عن نبي كريم وهو آدم ﷺ، فمثل هذا هو من قبيل الإسرائيليات، لو قيل: إن ذلك يمكن أن يكون قد أخذ عن رسول الله ﷺ، فيكون من قبيل المرسل وهو من أنواع الضعيف.