قوله: "أرأيت هذا الذي تتعوذ منه؟ فهو هو"، عبر بضمير الغائب تأدباً؛ حتى لا يضيف القارئ هذا إلى نفسه، أو الناقل أو الراوي، تأدباً قال: "فهو هو"، كما في قصة أبي طالب لما دعاه النبي ﷺ إلى الإيمان، قال: هو على ملة عبد المطلب([1])، والأصل أنه قاله بضمير المتكلم، لكن لا يحسن بالإنسان أن ينسب إلى نفسه شيئاً قبيحاً مثل هذا، فكانوا يتنزهون ويتأدبون في العبارة، يقول له: إن الذي تستعيذ منه حاضر عندك، قد حضر، يعني الشيطان، ولكن مثل هذه الرواية في الغالب مأخوذة عن بني إسرائيل.
يعني الإنسان يقع في المعصية ثم يدرك أن ذلك من الشيطان، إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ [سورة الأعراف:201-202] يعني إخوان الشياطين يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ، يَمُدُّونَهُمْ أي: أن الشياطين تمدهم في الغي فيزدادون غياً وضلالاً وإعراضاً عن الله ، والمؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين، ومع ذلك إبليس يوقعه مرة بعد مرة بعد مرة في معصية الله - تبارك وتعالى -، ويقولون: إن إبليس جاء إلى آدم حينما حملت حواء، وقبل ذلك جاءه وأخرجه من الجنة، وحينما حملت حواء جاءه كما في قوله: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [سورة الأعراف:190]، ذهب كثير من السلف من الصحابة فمن بعدهم في تفسير الآية إلى أن ذلك في تسمية الولد، ولد آدم، قال: سمياه عبد الحارث، ولكن مثل هذا لا يثبت، ولا يعول عليه ولا يظن هذا بأهل الإيمان فضلاً عن نبي كريم وهو آدم ﷺ، فمثل هذا هو من قبيل الإسرائيليات، لو قيل: إن ذلك يمكن أن يكون قد أخذ عن رسول الله ﷺ، فيكون من قبيل المرسل وهو من أنواع الضعيف.