الأحد 20 / ذو القعدة / 1446 - 18 / مايو 2025
ٱدْخُلُوهَا بِسَلَٰمٍ ءَامِنِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ ۝ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ ۝ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَاناً عَلَىَ سُرُرٍ مّتَقَابِلِينَ ۝ لاَ يَمَسّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مّنْهَا بِمُخْرَجِينَ ۝ نَبّئْ عِبَادِي أَنّي أَنَا الْغَفُورُ الرّحِيمُ ۝ وَأَنّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ [سورة الحجر:45-50].

لما ذكر تعالى حال أهل النار عطف على ذكر أهل الجنة وأنهم في جنات وعيون. وقوله: ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ أي: سالمين من الآفات، مسَّلم عليكم.

الحافظ - رحمه الله - عادته الجمع بين المعاني التي قالها السلف، فالسلف فسروا قوله: ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ: بعضهم قال: ادخلوها حال كونكم مسلَّماً عليكم، الذي يسلم عليهم الله تبارك وتعالى لقوله: سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ [سورة يــس:58]، وتسلم عليهم أيضاً الملائكة، لقوله تعالى: وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ۝ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [سورة الرعد:23-24]، وكذلك يحيي بعضهم بعضاً بالسلام، والمعنى الثاني: ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ قال: أي سالمين من الآفات، وهذا معنى من معاني السلام، السلامة من الآفات، والعيوب، والنقائص، ولهذا من أسماء الله السلام، الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ [سورة الحشر:23] أي: السالم من كل عيب وآفة ونقص، فإذا ألقيت على أحد السلام قلت: السلام عليك، فهذا السلام اسم من أسماء الله ، وفيه تأمين لهذا المسلَّم عليه، فهو بمعنى الأمن، أنه لا يصل إليه مكروه من قبلك، وفيه أيضاً دعاء له بالسلامة، كل هذه المعاني داخلة في قولك: السلام عليكم، فقوله: ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ أي: سالمين من الآفات مسلَّم عليكم، جمع فيها بين القولين، وهذه مزية لمثل هذا الكتاب، وللكتب التي تحرر فيها العبارة ويجمع فيها بين أقوال السلف .

 آمِنِينَ أي: من كل خوف وفزع، ولا تخشوا من إخراج ولا انقطاع ولا فناء.

قوله: ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ، الأمن يكون بمعنى أنه لا تنتابهم فيها المخاوف، ولا يحصل لهم فزع كما يفزع غيرهم، فأهل النار يعيشون في فزع دائم وخوف لا ينقطع، وفي أهوال وأوجال لا طاقة لهم بها، ومن المعاني الداخلة في قوله: آمِنِينَ معني أنهم يأمنون فيها من الموت، ومن الإخراج، والإنسان إذا كان في مكان يتنعم ويلتذ فيه، فإنه يتنغص إذا علم أنه سيفارقه، وينتقل عنه، أو أن الموت سيهجم عليه، أو إذا كانت تنتابه المخاوف فتتعطل لذاته، وتتلاشى وتنقشع، ولذلك الإنسان إذا كان في خوف شديد، أو في غم وهم، أو حزن شديد فإنه لا يجد لذة للطعام الذي يأكله، ولا يستطيع مضغه، وهكذا جميع اللذات، والدراسات التي تُنشر تَذكر في حال الناس الذين عندهم اكتئاب أن ذلك يكون سبباً لتعطل جوانب عندهم فيما يتعلق بحقوق الزوجات من المعاشرة مثلاً؛ لأنه لا يجد إقبالاً إطلاقاً على هذا، وهذا مشاهد من هؤلاء الذين يعانون من هذه المشكلات، أو يشعر بخوف، فالخائف لا يجد نفسه تقبل على شيء من لذاته، وإنما همه أن يؤمن نفسه، ثم بعد ذلك يتفرغ لما تطلبه هذه النفس من المطالب الأخرى، فذكر الأمن؛ لأن الإنسان إذا شعر أو تذكر بأنه سيفارق الحياة، أو كان خائفاً فإنه لا يتنعم.

هو الموت ليس كالموت شيء نغّص الموتُ ذا الغنى والفقير

فمهما كان الإنسان في لذة وحبور إذا تذكر أنه سيموت ويفارق كل ما يملك فإنه تتنغص عليه لذته ويتكدر عليه عيشه؛ ولهذا ذكر الله الأمن في نعيم الجنة، وذكر الخلود فيها، وذكر في بعض المواضع الإذن، فالشيء المأذون فيه غير الذي يأخذه الإنسان مسارقة، أو بغير رضا صاحبه؛ ولهذا ذكر الله الرضا في مواضع أخرى رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ [سورة المائدة:119]، وهذا لا شك أنه كمال النعيم.