الإثنين 21 / ذو القعدة / 1446 - 19 / مايو 2025
وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَٰبِلِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ، روى القاسم عن أبي أمامة قال: يدخل أهل الجنة الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن، حتى إِذا توافوا وتقابلوا نزع الله ما في صدورهم في الدنيا من غل، ثم قرأ: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ، هكذا في هذه الرواية، والقاسم بن عبد الرحمن في روايته عن أبي أمامة ضعيف، ولكن هذا موافق لما في الصحيح من رواية قتادة: حدثنا أبو المتوكل الناجي أن أبا سعيد الخدري حدثهم أن رسول الله ﷺ قال: يَخْلصُ المؤمنون من النار، فيُحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيُقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إِذا هُذبوا ونقوا، أذن لهم في دخول الجنة[1].

هذا هو المعتمد، وليس ذلك بموافق لما قبله من الأثر عن أبي أمامة ، على ضعف هذا الأثر، فذاك الأثر يقول: إنهم يحصل لهم التنقية بعد دخول الجنة، ولكن هذا الحديث الصحيح يدل على أنهم ينقون قبل دخولها، فالجنة لا يدخلها إلا طيب، هي دار طيبة لا يدخلها إلا الطيب من الناس، ولذلك فإن الله يمحص أهل الإيمان، والنبي ﷺ يقول: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر[2]، وليس معنى ذلك أنه يخلد في النار، وإنما المقصود أنه ينقى بالعذاب ويطهر حتى يذهب ذلك منه، فيدخل الجنة وهو سالم من هذه الآفات، فمن لم ينقّ بالإيمان والتزكية في الدنيا فإنه ينقى بكير النار يوم القيامة، إلا من لطف الله به ورحمه، هذا الأمر الذي ذكره الله  وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ هو مكمل للنعيم السابق، يكون لهم الأمن ويدخلونها بسلام، ولهم الخلود، والله يكتب عليهم رضوانه، مع ذهاب الغل؛ لأن وجود الغل منغص للنعيم، تجد الرجل في غاية المُتع، وفي محل البهجة، ويعيش في أفضل الأماكن، ولكن إذا كان قلبه يحمل الغل فإنه يعذب بهذا الغل، يتنغص عليه عيشه، وتتكدر عليه حياته ولذاته، فإذا تذكر من يحمل عليه الضغينة، فإن قلبه ينعصر، ويفارقه النوم، ويشعر بالأسى، فمن كمال النعيم أن لا يوجد في قلب الإنسان غل، فأهل الجنة ينقيهم الله من ذلك، فلا يكون فيها غل ولا حسد ولا شحناء، ويؤخذ من هذا أن صاحب الغل يعذب به يوم القيامة، نسأل الله العافية، وهو عذاب في الدنيا قبل الآخرة، مع أن الذي يَحمل عليه هذا الغلَّ ربما يكون ساهياً لاهياً لا يضره هذا الغل شيئاً، بل قد لا يشعر به أصلاً، وإنما الذي يتعذب بالغل ويجد ألمه وحسراته هو صاحب الغل الذي يحمله في قلبه، فهو يتنقل معه حيث ذهب، ويكدر عليه عيشه، ويشوش عليه فكره، ولا يجد لذة للعبادة، نسأل الله العافية، والموفَّق من وفقه الله .

وحذف رواية سُنيد بهذا الاعتبار يكون خللاً في الاختصار، ورواية سُنيد عن أبي أمامة قال: "لا يدخل مؤمن الجنة حتى ينزع الله ما في صدره من غل، حتى ينزع منه مثل السبع الضاري"، ولابد من الإشارة إلى الذي يوافق ما في الصحيح، وهي رواية سُنيد بن داود المصيصي، وليست رواية القاسم التي ذكرها ابن عبد الرحمن في روايته عن أبي أمامة.

  1. رواه البخاري، كتاب الرقائق، باب القصاص يوم القيامة، برقم (6170).
  2. رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، برقم (91).