قال المصنف - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى: فَأَخَذَتْهُمُ الصّيْحَةُ مُشْرِقِينَ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ إِنّ فِي ذَلِكَ لآيات لِلْمُتَوَسّمِينَ وَإِنّهَا لَبِسَبِيلٍ مّقِيمٍ إِنّ فِي ذَلِكَ لآية لِلْمُؤْمِنِينَ [سورة الحجر:73-77].
يقول تعالى: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ: وهي ما جاءهم به من الصوت القاصف عند شروق الشمس - وهو طلوعها - وذلك مع قلب بلادهم وجعل عاليها سافلها، وإرسال حجارة السجيل عليهم، وقد تقدم الكلام على السجيل في هود بما فيه كفاية، وقوله: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ أي: إن آثار هذه النقم الظاهرة على تلك البلاد لمن تأمل ذلك وتوسمه بعين بصره وبصيرته، كما قال مجاهد في قوله: لِلْمُتَوَسِّمِينَ قال: المتفرسين، وعن ابن عباس - ا - والضحاك: للناظرين. وقال قتادة: للمعتبرين، وقال مالك عن بعض أهل المدينة: لِلْمُتَوَسِّمِينَ للمتأملين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله تعالى: حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ جاء السجيل مفسراً في قوله: مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ [سورة الذاريات:34] أي: معلمة، وأحسن ما يفسر به القرآن القرآن، وقال في موضع آخر: لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ [سورة الذاريات:33]، فيكون ذلك تفسيراً للسجيل، وهذا من تفسير اللفظة بلفظة أوضح منها وأكثر استعمالاً، وقوله: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ قال: الحافظ رحمه الله: "لمن تأمل ذلك وتوسمه بعين بصره وبصيرته"، يعني بعين بصره أنه ينظر نظر المتأمل المتفحص، وبصيرته بأن يجيل فكره بما يرى، "كما قال مجاهد: للمتفرسين، ونقل عن ابن عباس والضحاك: للناظرين، وقال قتادة: للمعتبرين، وقال مالك عن بعض أهل المدينة: لِلْمُتَوَسِّمِينَ للمتأملين"، كل هذه العبارات متقاربة، وما نقل من أنه للناظرين، هو من باب التعبير بما يقرب المعنى، وإلا فلا شك أن المتفرسين ليس المراد به الناظرين، وإنما التفرس يكون نظراً وزيادة، وذلك بأن ينظر الإنسان نظر تفحص وتأمل؛ ولهذا عبر من عبر بالمتفرسين والمتأملين، فهذا هو نظر الاعتبار، والله قال عن فقراء المهاجرين: تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ [سورة البقرة:273] أي: بما يظهر عليهم من الحاجة والفقر في تقاطيع وجوههم، من شحوب ونحو ذلك، وهكذا في ثيابهم ولباسهم، وأحوالهم كلها، قال: لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ [سورة البقرة:273]، تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ يعرفهم المتفرس في أحوالهم.