الأحد 11 / ذو الحجة / 1446 - 08 / يونيو 2025
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلَّٰقُ ٱلْعَلِيمُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قوله تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاّ بِالْحَقّ وَإِنّ السّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصّفْحَ الْجَمِيلَ ۝ إِنّ رَبّكَ هُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ [سورة الحجر:85-86].

يقول تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاّ بِالْحَقّ وَإِنّ السّاعَةَ لآَتِيَةٌ أي: بالعدل،لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا [سورة النجم:31] الآية، وقال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [سورة ص:27]، وقال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ۝ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [سورة المؤمنون:115-116]، ثم أخبر نبيه بقيام الساعة وأنها كائنة لا محالة، ثم أمره بالصفح الجميل عن المشركين في أذاهم له وتكذيبهم ما جاءهم به، كقوله: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [سورة الزخرف:89]، وقال مجاهد وقتادة وغيرهما: كان هذا قبل القتال، وهو كما قالا، فإن هذه مكية والقتال إنما شرع بعد الهجرة.

وقوله: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ تقرير للمعاد وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة فإنه الخلاق الذي لا يعجزه خلق شيء، العليم بما تمزق من الأجساد وتفرق في سائر أقطار الأرض، كقوله: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ۝ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ۝ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [سورة يونس:81-83].

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله - تبارك وتعالى -: وَمَا خَلَقْنَا السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاّ بِالْحَقّ ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - بعض نظائره من القرآن، كقوله: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا، وأَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ، ومَا خَلَقْنَا السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاّ بِالْحَقّ أي: خلقاً متلبساً بالحق، لم يخلقهم الله عبثاً وإنما لحكمة وغاية عظيمة، وقوله - تبارك وتعالى -: فَاصْفَحِ الصّفْحَ الْجَمِيلَ، نقل الحافظ ابن كثير - رحمه الله - عن بعض السلف أنها كانت قبل القتال، بمعنى أنها منسوخة، وهو الذي مال إليه الحافظ - رحمه الله -، وعليه عامة المفسرين: أن هذه الآية منسوخة نسختها آيات القتال كآية السيف، والأقرب - والله تعالى أعلم - أن الآيات التي وردت في الصفح والعفو والإعراض عن المشركين لم تنسخ، وأن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال، وإنما ذلك بحسب حال الأمة، فإذا كانت الأمة في حال من الضعف فإن المتعين هو الصفح والإعراض والمصانعة بالقول وما أشبه ذلك مما أمر الله به في كتابه، تجد هذا في مواضع من القرآن، فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ، وفَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ [سورة البقرة:109] وما أشبه هذا، فهذه الآيات غير منسوخة، والقول بأن آية السيف نسخت مائة وأربعاً وعشرين آية لا دليل عليه، وإنما يختلف ذلك بحسب حال الأمة، فهناك رُخص وهناك عزائم، وقوله - تبارك وتعالى -: إِنّ رَبّكَ هُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ جمع بين الخلق وبين العلم، والعلة في هذا ذكرها الحافظ ابن كثير - رحمه الله -، والله يقول: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [سورة يــس:79]، وأَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [سورة الملك:14]، اللطيف الذي يعلم دقائق الأشياء، والخبير الذي يعلم بواطن الأمور.