الأحد 11 / ذو الحجة / 1446 - 08 / يونيو 2025
وَلَقَدْ ءَاتَيْنَٰكَ سَبْعًا مِّنَ ٱلْمَثَانِى وَٱلْقُرْءَانَ ٱلْعَظِيمَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ۝ لاَ تَمُدّنّ عَيْنَيْكَ إِلَىَ مَا مَتّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [سورة الحجر:87-88] .

يقول تعالى لنبيه ﷺ: كما آتيناك القرآن العظيم فلا تنظرنّ إلى الدنيا وزينتها، وما متعنا به أهلها من الزهرة الفانية لنفتنهم فيه فلا تغبطهم بما هم فيه، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات حزناً عليهم في تكذيبهم لك ومخالفتهم دينك، وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَن اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سورة الشعراء:215] أي: ألن لهم جانبك، كقوله: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [سورة التوبة:128]، وقد اختلف في السبع المثاني ما هي؟ فقال ابن مسعود وابن عمر وابن عباس  ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وغيرهم: هي السبع الطوال. يعنون البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس، نص عليه ابن عباس وسعيد بن جبير. وقال سعيد: بيّن فيهن الفرائض والحدود والقصص والأحكام. وقال ابن عباس: بيّن الأمثال والخَبر والعِبر.

والقول الثاني: أنها الفاتحة، وهي سبع آيات. وروي ذلك عن عليٍّ وعمر وابن مسعود وابن عباس ، قال ابن عباس: والبسملة هي الآية السابعة، وقد خصكم الله بها، وبه قال إبراهيم النخعي، وعبد الله بن عبيد بن عمير، وابن أبي مليكة، وشهر بن حوشب، والحسن البصري، ومجاهد.

في قوله: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، السبع المثاني، من أهل العلم من يقول: هي السبع الطوال، والحافظ - رحمه الله - ذكر سورة يونس بدلاً من التوبة والأنفال، فالسابعة هي الأنفال والتوبة، وليست سورة يونس، وهذا هو المروي عن ابن عباس - ا -، فالشاهد: أن من أهل العلم من يقول: السبع المثاني هي السبع الطوال، قيل لها مثانٍ؛ لأنه تثنى فيها القصص والأحكام والأمثال والعقائد وما أشبه ذلك، تثنى يعني تكرر، سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي، والحافظ ابن كثير - رحمه الله - قال: "وقال سعيد: بيّن فيها الفرائض والحدود والقصص والأحكام"، هذا تعليل للتسمية، "وقال ابن عباس: بيّن الأمثال والخَبر والعِبر"، هذا تعليل لتسميتها بالمثاني، وقول سعيد وقول ابن عباس متحدٌ في التعليل، قيل لها المثاني؛ لأنه ثنى فيها الأمثال والخبر، والقول الثاني: أنها الفاتحة وهي سبع آيات، وهذا القول هو الذي لا ينبغي العدول عنه؛ لأن النبي ﷺ صرح به فلا التفات إلى قول غيره، وذلك في حديث أبي سعيد بن المعلى وفيه لما ذكر الفاتحة قال: وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته[1]، وبهذا استدل الجمهور على أن سورة الفاتحة نزلت بمكة؛ لأن سورة الفاتحة من أهل العلم وهم قلة من قال: إنها نزلت بالمدينة، وبعضهم قال: إنها نزلت مرتين، وبعضهم قال: نزل نصفها في مكة، ونصفها في المدينة، وهذا في غاية البعد، فالشاهد أن سورة الفاتحة في مكة، ومن أقوى الأدلة على هذا آية الحِجر هذه، وسورة الحجر مكية، فهذه آية مكية يذكر الله فيها سورة الفاتحة، وهذا من تفسير القرآن بالسنة، وقيل لها: مثانٍ؛ لأنها تثنى، وتكرر في كل ركعة، هذا هو المشهور، ومن أهل العلم من يقول: مثانٍ؛ لاشتمالها على الثناء على الله ، إذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى علي عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، ومن أهل العلم من يقول: قيل لها مثانٍ؛ لأن آياتها متعاقبة يتلو بعضها بعضاً، قال: وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، فالقرآن العظيم قيل له: مثانٍ، فيكون من باب عطف العام على الخاص، وصف القرآن كله بأنه مثانٍ في قوله: كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ [سورة الزمر:23]، فوصف بأنه مثانٍ؛ لأن الأخبار والقصص والعبر والأحكام تثنى، وابن جرير - رحمه الله - يقول: لأن آيات القرآن تأتي متتابعة آية بعد آية، فقيل له: مثانٍ بهذا الاعتبار، والله - تبارك وتعالى - وصف القرآن كله بأنه مثانٍ، والفاتحة يقال لها: السبع المثاني، ويوجد أيضاً الجزء من القرآن يقال له: مثانٍ، فالسلف كانوا يقسمون القرآن بغير التجزئة هذه التي نقسم بها، يقولون: السبع الطوال، وآخرها سورة التوبة، ثم بعد ذلك يأتي المئين وهي السور التي تزيد على المائة، ثم يأتي بعد ذلك المثاني وهي التي تأتي دون المائة، ثم يأتي بعد ذلك المفصل، هذه أربعة أجزاء، من السلف من كان يقسم بهذه الطريقة، وأكثرهم كان يقسم إلى سبعة أجزاء، يختمونه في سبع، هذا الذي عليه أكثر السلف، ومنهم من يقسم بهذه الطريقة - إلى أربعة أقسام -، وبعضهم يفسر السبع المثاني بموضوعات القرآن، العلماء تكلموا على موضوعات القرآن، ابن عاشور في مقدمة التفسير ذكر الموضوعات التي يدور عليها القرآن، وذكر هذا جماعة من أهل العلم، فبعض أهل العلم قال للسبع المثاني: هي الموضوعات التي يدور عليها القرآن، الأقسام الموجودة مثل الأمر والنهي والإنذار والبشارة والأمثال وذِكْر النعم وأخبار الأمم.

وقد أورد البخاري - رحمه الله - ههنا حديثين:

(أحدهما) عن أبي سعيد بن المعلى قال: مر بي النبي ﷺ وأنا أصلي فدعاني فلم آته.

هذا الحديث يعتبر نصاً في الموضوع، وهو أن المثاني هي سورة الفاتحة، وهذا قول عامة أهل العلم، والسبع الطوال التي ذكرها بعض السلف أكثرها نزل في المدينة، وهذه الآية مكية.

عن أبي سعيد بن المعلى قال: مر بي النبي ﷺ وأنا أصلي فدعاني فلم آته حتى صليت فأتيته، فقال: ما منعك أن تأتيني؟ فقلت: كنت أصلي، فقال: ألم يقل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد فذهب النبي ﷺ ليخرج فذكّرته فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هي السبع المثاني والقرآن الذي أوتيته[2].

(الثاني) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ : أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم [3]، فهذا نص في أن الفاتحة السبع المثاني والقرآن العظيم، ولكن لا ينافي وصف غيرها من السبع الطوال بذلك، لما فيها من هذه الصفة، كما لا ينافي وصف القرآن بكماله بذلك أيضاً، كما قال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ [سورة الزمر:23] فهو مثانٍ من وجه ومتشابه من وجه، وهو القرآن العظيم أيضاً.

متشابه يعني يشبه بعضه بعضاً في الحسن والفصاحة والبيان، ويصدق بعضه بعضاً، فالله وصف القرآن كله بأنه متشابه بهذا الاعتبار، ووصفه بأنه محكم، كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ [سورة هود:1] أي: يصدق بعضه بعضاً، ووصف بعضه بأنه محكم، وبعضه بأنه متشابه والمقصود غير الوصف العام، فالمراد بقوله: مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [سورة آل عمران:7]، هو إحكام خاص وتشابه خاص، فالمحكم هو ما استقل بنفسه في بيان المراد منه ولم يحتج إلى غيره ليفهم معناه، والمتشابه: ما احتاج إلى إرجاعه إلى غيره ليتبيّن المراد منه.

  1. رواه البخاري كتاب التفسير، باب ما جاء في فاتحة الكتاب، برقم (4204).
  2. رواه البخاري كتاب التفسير، باب ما جاء في فاتحة الكتاب، برقم (4204).
  3. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، برقم (4427).