الثلاثاء 06 / ذو الحجة / 1446 - 03 / يونيو 2025
وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [سورة الحجر:99] قال البخاري: قال سالم: الموت، وسالم هذا هو سالم بن عبد الله بن عمر، كما روى ابن جرير عن سالم بن عبد الله وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ قال: الموت، وفي الصحيح عن أم العلاء - امرأة من الأنصار - ا - أن رسول الله ﷺ لما دخل على عثمان بن مظعون وقد مات، قالت أم العلاء: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال رسول الله ﷺ: وما يدريك أن الله أكرمه؟ فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، فمن؟ فقال: أما هو فقد جاءه اليقين، وإني لأرجو له الخير[1]، ويستدل بهذه الآية الكريمة وهي قوله: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ على أن العبادة كالصلاة ونحوها واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتاً، فيصلي بحسب حاله.

لأن ذلك قيد إلى حد الوفاة، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ، وسواء كان ذلك في الصلاة أو في غيرها، ويبين ذلك حديث النبي ﷺ أن القلم رفع عن ثلاثة[2]، فطالما أن الإنسان وجد فيه العقل فإنه مطالب بالعبادة إلى أن يأتيه الموت، فالعبادة لا تسقط عن المكلف ما دام يعقل، لا تسقط سقوطاً كلياً ولا تصير إلى بدل، بخلاف بعض العبادات التي تسقط بالعجز كالحج، ومنها ما يسقط إلى بدل مثل الوضوء إلى التيمم، أما تفسير بعض الصوفية بأن اليقين هو أن يصل الإنسان - كما يزعمون - إلى مرحلة الكشف، ثم تسقط عنه بعد ذلك التكاليف، فهذه زندقة وإلحاد.

ويقولون في قوله تعالى مثلاً: قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ۝ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ۝ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ۝ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ۝ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [سورة المدثر:43-47] أتاهم اليقين يعني الكشف، هؤلاء الكفار في النار يقولون: حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ! ومعنى اليقين: الموت، والقرآن يفسر بالقرآن، وهذا الحديث في عثمان بن مظعون قال: فقد جاءه اليقين[3] يعني: الموت.

كما ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين - ا - أن رسول الله ﷺ قال: صلَّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنْب[4]، ويستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم، وهذا كفر وضلال وجهل، فإن الأنبياء - عليهم السلام - كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته، وما يستحق من التعظيم، وكانوا مع هذا أعبد الناس وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة، وإنما المراد باليقين ههنا الموت، كما قدمناه، ولله الحمد والمنة، والحمد لله على الهداية، وعليه الاستعانة والتوكل، وهو المسئول أن يتوفانا على أكمل الأحوال وأحسنها، فإنه جواد كريم.
آخر تفسير سورة الحجر، والحمد لله رب العالمين.
  1. رواه البخاري، كتاب الشهادات، باب القرعة في المشكلات، برقم (2541).
  2. رواه أبو داود، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً، برقم (4398)، وابن ماجه، كتاب الطلاق، باب طلاق المعتوه والصغير والنائم، برقم (2041)، والنسائي، كتاب الطلاق، باب من لا يقع طلاقه من الأزواج، برقم (3432)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3512).
  3. رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في كفنه، برقم (1186).
  4. رواه البخاري، أبواب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعداً صلى على جنب، برقم (1066).