يُنَزّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىَ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوَاْ أَنّهُ لاَ إِلَهَ إِلاّ أَنَاْ فَاتّقُونِ [سورة النحل:2].
يقول تعالى: يُنَزّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرّوحِ أي: الوحي، كقوله: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [سورة الشورى:52]، وقوله: عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وهم الأنبياء، كما قال تعالى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [سورة الأنعام:124]، وقال: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ [سورة الحج:75]، وقال: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [سورة غافر:15-16]. وقوله: أَنْ أَنْذِرُوا أي: لينذروا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ أي: فاتقوا عقوبتي لمن خالف أمري وعبد غيري.
قوله: يُنَزّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرّوحِ أحسن ما فسر به هو ما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - وهو أنه الوحي، الله سمى الوحي بالروح؛ لأنه يحصل به حياة الأرواح والنفوس، كما تحصل حياة الأبدان بالطعام والشراب، كقوله: لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ [سورة غافر:15]، قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ [سورة الأنبياء:45] ينزلهم بالروح للإنذار، لينذروا بهذا الروح الذي أنزله، وقوله - تبارك وتعالى -: يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ [سورة النحل:2] "من" هذه يمكن أن تكون بيانية، يعني بأشياء، ويمكن أن تكون تبعيضية، يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ، وتكون ابتدائية كقوله: أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء [سورة الرعد:17]، أي مبتدأً.