قول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "ونزلهم منزلة من يعقل إذ أسند السجود إليهم فقال: وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ"، هذا الآية لا شاهد فيها على تنزليهم منزلة العقلاء، لكن الشاهد في الآية التي بعدها؛ لأنه هنا استعمل لفظة "ما" وهي تستعمل لغير العاقل، لكن في الآية الثانية قال: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، الأصل في غير العقلاء أن يقال: يسجد ما في السماوات، ويقال: وظلالها، فالشاهد أن ما يضاف إلى العقلاء يستعمل في غير العقلاء في حالات معلومة، وهو إذا كان من باب التغليب مثلاً، فالعقلاء أغلب، أو أن يكون من باب الأشرف، وتستعمل الألفاظ الخاصة بالعقلاء في غير العقلاء إذا اشترك غير العقلاء مع غيرهم وكانوا هم الأكثر، وكذلك إذا كان العقلاء أشرف فيعبر بعبارة ترجع إليهم، أو أنه أضاف إلى غير العقلاء فعلاً من أفعال العقلاء، مثل قوله تعالى: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ [سورة يوسف:4]، ما قال: رأيتها لي ساجدة، كما هو الشأن لغير العقلاء يعبر عنها بمثل هذا، وعلة تنزيلهم منزلة من يعقل أنه أسند إليهم فعلاً من أفعال العقلاء وهو السجود.