السبت 17 / ذو الحجة / 1446 - 14 / يونيو 2025
وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ ۚ أَفَبِٱلْبَٰطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مّنَ الطّيّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ [سورة النحل:72].

يذكر تعالى نعمه على عبيده بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجاً من جنسهم وشكلهم، ولو جعل الأزواج من نوع آخر ما حصل الائتلاف والمودة والرحمة، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكوراً وإناثاً، وجعل الإناث أزواجاً للذكور، ثم ذكر تعالى أنه جعل من الأزواج البنين والحفدة وهم أولاد البنين، قاله ابن عباس - ا - وعكرمة والحسن والضحاك وابن زيد، قال شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: بنين وحفدة: وهم الولد وولد الولد، وقيل: الخدم والأعوان، وقيل: الأختان، وقيل: الأصهار، قلت: فمن جعل وَحَفَدَةً متعلقاً بـأَزْوَاجِكُم، فلابد أن يكون المراد الأولاد وأولاد الأولاد والأصهار؛ لأنهم أزواج البنات أو أولاد الزوجة.

وقوله: وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أي: من المطاعم والمشارب، ثم قال تعالى منكراً على من أشرك في عبادة المنعم غيره: أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وهم الأنداد والأصنام، وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ أي: يسترون نعم الله عليهم ويضيفونها إلى غيره، وفي الحديث الصحيح: إن الله يقول للعبد يوم القيامة ممتناً عليه: ألم أزوجك؟ ألم أكرمك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل، وأذرك تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟[1].

قوله - تبارك وتعالى -: وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً، يقال: حَفَدَ إذا أسرع في الخدمة، فالحَفْد هو الإسراع في الخدمة، هكذا فسره أئمة اللغة كالخليل وأبي عبيد القاسم بن سلام، وأمثال هؤلاء.

يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - عن ابن عباس - ا -، قال: بَنِينَ وَحَفَدَةً، "وهم الولد وولد الولد"، وهذا القول هو الأظهر، وهو المتبادر إذا أردنا أن نرجح واحداً من هذه الأقوال، فالحفدة هم الأولاد وأولاد الأولاد، وهذا المعنى اختاره ابن العربي والقرطبي والشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحم الله الجميع -، قال: "وقيل: الخدم"، ومعلوم أن الأولاد وأولاد الأولاد يخدمون الإنسان ويسرعون في خدمته، "وقيل: الخدم والأعوان، وقيل: الأختان"، هذا قال به جماعة من السلف، والختن: مَن كان مِن قِبل المرأة، فقرابة المرأة، يقال لهم أختان، كابنها وأخيها، يعني ابن المرأة من غيرك، إن كانت متزوجة قبل ذلك، والأصهار ما كان من قبل الزوج، وما كان من قبل الزوجة أيضاً يقال لهم: أصهار، فالشاهد أنه قال: "قيل: الأختان وقيل: الأصهار"، بمعنى أن الأصهار مثلاً أزواج البنات ممن يسارع في الخدمة إذا كان الإنسان قد صاهر أناساً كرماء وفضلاء، وقد يبتلى بغيرهم، كما يقول العامة: "النسب نشد"، فقد يبتلى بحنظل فلا يلقى منهم إلا الأذى والشقاء، لكن من حيث الأصل، يعني من قال هذا فهو باعتبار أن مثل هؤلاء إذا كانت نفوسهم كريمة فهم ممن يكونون كذلك، ويقول الحافظ - رحمه الله -: "فمن جعل وَحَفَدَةً متعلقاً بـأَزْوَاجِكُم"، يعني يكون وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً، ويحتمل وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ ثم قال: وَحَفَدَةً يحتمل أن يكون متعلقاً بالأزواج، ثم قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "فلابد أن يكون المراد الأولاد وأولاد الأولاد، والأصهار؛ لأنهم أزواج البنات"، فهذا له تعلق بالزوجات، أو أولاد الزوجة، وابن جرير - رحمه الله - حملها على هذه المعاني جميعاً باعتبار أن الحَفْد هو الإسراع في الخدمة، فقال: هذا يحصل بالأولاد وأولاد الأولاد وأزواج البنات والخدم والأعوان والمماليك، فكل هؤلاء ممن يسرع في الخدمة يقال لهم: حفدة.

  1. رواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، برقم (2968) من حديث أبي هريرة