الأحد 18 / ذو الحجة / 1446 - 15 / يونيو 2025
وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِى ٱلرِّزْقِ ۚ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُوا۟ بِرَآدِّى رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ ۚ أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَاللّهُ فَضّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىَ بَعْضٍ فِي الْرّزْقِ فَمَا الّذِينَ فُضّلُواْ بِرَآدّي رِزْقِهِمْ عَلَىَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ [سورة النحل:71].

يبين تعالى للمشركين جهلهم وكفرهم فيما زعموه لله من الشركاء، وهم يعترفون أنها عبيد له كما كانوا يقولون في تلبيتهم في حجهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، فقال تعالى منكراً عليهم: أنتم لا ترضون أن تساووا عبيدكم فيما رزقناكم، فكيف يرضى هو تعالى بمساواة عبيد له في الإلهية والتعظيم؟، كما قال في الآية الأخرى: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ [سورة الروم:28] الآية، قال العوفي عن ابن عباس - ا - في هذه الآية: يقول لم يكونوا ليشركوا عبيدهم في أموالهم ونسائهم، فكيف يشركون عبيدي معي في سلطاني؟، فذلك قوله: أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ وقال في الرواية الأخرى عنه: فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم؟.

وقوله: أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ أي: أنهم جعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً، فجحدوا نعمته، وأشركوا معه غيره، وعن الحسن البصري قال: كتب عمر بن الخطاب  هذه الرسالة إلى أبي موسى الأشعري  : "واقنع برزقك من الدنيا، فإن الرحمن فضَّل بعض عباده على بعض في الرزق بلاءً يبتلي به كُلاً، فيبتلي من بسط له كيف شكْره لله وأداؤه الحق الذي افترض عليه فيما رزقه وخوله؟". رواه ابن أبي حاتم.

هذا المعنى الذي ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هو الظاهر المتبادر من قوله: فَمَا الّذِينَ فُضّلُواْ بِرَآدّي رِزْقِهِمْ عَلَىَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ، أي أنتم لا تفعلون، وتأنفون من هذا، فتستنكفون أن تردوا ما أعطاكم الله من الإفضال والإنعام والرزق إلى عبيدكم ومماليككم، فهم لا يملكون شيئاً معكم، وما بأيديهم فهو ملك لكم، ثم أنتم تشركون مع الله غيره، وتضيفون إليهم ما ليس لهم وهم عبيد مربوبون لله - تبارك وتعالى -، وأما قول من قال: إن المقصود بذلك هو الإنكار عليهم أو أن هذا مضمن للأمر والحث على أن يواسوا هؤلاء المماليك فيلبسوهم مما يلبسون، ويطعموهم مما يطعمون، فهذا بعيد، ليس هذا الذي يدل عليه ظاهر القرآن، - والله تعالى أعلم -.