وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [سورة النحل: 76].
قال مجاهد: وهذا أيضاً المراد به الوثن والحق تعالى، يعني أن الوثن أبكم لا يتكلم ولا ينطق بخير ولا بشيء ولا يقدر على شيء بالكلية، فلا مقال ولا فعال، وهو مع هذا كَلٌّ أي عِيال وكلفة على مولاه أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ: أي يبعثه لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ ولا ينجح مسعاه هَلْ يَسْتَوِي مَن هذه صفاته وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ: أي بالقسط، فمقاله حق وفعاله مستقيمة، وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ.
وقال العوفي عن ابن عباس - ا -: هو مثل للكافر والمؤمن أيضاً كما تقدم.
هنا نقل عن مجاهد - رحمه الله - مثل ما جاء في المثل الأول، فهو يرى أن المثل الأول عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ في الوثن وفي الله - تبارك وتعالى -، وهذا المثل الثاني أيضاً يرى أنه كذلك، وابن جرير - رحمه الله - وافقه في هذا المثل الثاني على أنه في الله وفي الوثن، وأما في المثل الأول فوافق ابن عباس، في أنه مثلٌ ضربه الله للكافر والمؤمن، وابن عباس - ا - يقول في المثل الثاني كما قال في المثل الأول، فصار عندنا الآن قول مجاهد أنه في الله وفي الوثن، المثل الأول والثاني، وقول ابن عباس أنه في الكافر والمؤمن في الأول والثاني، وابن جرير وافق ابن عباس في المثل الأول ووافق مجاهداً في المثل الثاني، وهذا المثل الثاني: وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ جاء أيضاً عن ابن عباس أنها نزلت في عثمان بن عفان وكان عنده مملوك يكره الإسلام، وهو كما وصفه الله كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ، وعلى كل حال هذا مثل، وكما نعلم "العبرة بعموم اللفظ والمعنى لا بخصوص السبب"، فالله يضرب لهؤلاء الأمثال في عبادتهم لغير الله - تبارك وتعالى - كيف يعبدون من لا يضرهم ولا ينفعهم، كيف يعبدون العاجز الذي لا يملك التصرف، ويتركون الله - تبارك وتعالى - وعبادته الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، ويملك النفع والضر.