في قوله هنا: الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا كفروا وصدوا، صدَّ: تأتي لازمة وتأتي متعدية، تقول: صد صدوداً، وتقول: صد عن الحق، وصد في نفسه، فصد في نفسه هذا معنى كونها لازمة، أي: أعرض، وصد زيداً، أو صد الناس، هذه متعدية إلى المفعول، يعني صد غيره، فكلمة صد تأتي للمعنيين: صد في نفسه وصد غيره، كقول الله عن المنافقين: اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ [سورة المنافقون:2] صدوا في أنفسهم وصدوا غيرهم عن اتباع الحق، وصدوا المؤمنين عن رسول الله ﷺ والعمل بطاعته، فثبّطوهم عن ذلك، وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ [سورة النساء:72] قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا [سورة الأحزاب:18]، هنا في هذا الموضع هل تُحمل صد على اللازمة أو المتعدية أو على المعنيين؟ الأحسن - والله أعلم - أن تحمل هنا على أنها متعدية، الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ، فلو قلنا بأنها لازمة صَدُّواْ: يعني في أنفسهم فإن ذلك يكون من قبيل التكرار، مع قوله: كَفَرُواْ، فإن كفرهم صدود؛ لأن الذي كفر لا شك أنه صد عن الحق في نفسه، والقاعدة: "أن التأسيس مقدم على التوكيد" أي: القول بأن الكلمة الثانية أو الجملة الثانية تُنشئ معنىً جديداً أولى من القول بأنها مؤكدة للمعنى الأول، فإذا قلنا بأن صد هنا لازمة فإن ذلك يكون تكراراً مع قوله: كَفَرُواْ فالقول بأن صد هنا متعدية أولى بناءً على القاعدة: "التأسيس مقدم على التوكيد"، فإذا كانت متعدية فسيكون المعنى: الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ غيرهم، ويدل على هذا المعنى ما جاء بعده من قوله - تبارك وتعالى -: زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ فالزيادة في العذاب بأي اعتبار؟ باعتبار أنهم تحملوا أوزار الآخرين الذين صدوهم، وتسببوا في ضلالهم، وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ [سورة العنكبوت:13]، فهذه قرينة تدل على أن المراد بصد هنا المتعدية، والله أعلم.