السبت 12 / ذو القعدة / 1446 - 10 / مايو 2025
وَأَلْقَوْا۟ إِلَى ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ ۖ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا۟ يَفْتَرُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: وَأَلْقَوْاْ إِلَى اللّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ قال قتادة وعكرمة: ذلوا واستسلموا يومئذ، أي استسلموا لله جميعهم فلا أحد إلا سامع مطيع، وكقوله تعالى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا [سورة مريم:38]: أي ما أسمعهم وما أبصرهم يومئذ، وقال: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا [سورة السجدة:12] الآية، وقال: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ [سورة طه:111]: أي خضعت وذلت واستكانت وأنابت واستسلمت.

وقوله: وَأَلْقَوْاْ إِلَى اللّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ: أي ذهب واضمحل ما كانوا يعبدونه افتراءً على الله فلا ناصر لهم ولا معين ولا مجير.

وَأَلْقَوْاْ إِلَى اللّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ، السَّلم هنا: بمعنى الاستسلام، يعني بعد أن أنكر المعبودون عبادة العابدين وتبرءوا منهم عندئذ استسلم الجميع لله .

وَأَلْقَوْاْ إِلَى اللّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ معنى ضَلَّ عَنْهُم: أي ذهبت واضمحلت المعبودات التي كانوا يرجونها ويقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [سورة الزمر:3] هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ [سورة يونس:18]، إذا جاء في القيامة ذهب عنهم ذلك وتلاشى، فلا يشفعون لهم ولا ينفعونهم ولا يدفعون عنهم، ولهذا قال الله : وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ [سورة البقرة:48]، فنفى عنهم كل أسباب الخلاص وعند ذلك يعرفون حقيقة ما هم عليه، ويذلون ويخضعون ويستسلمون، فمعنى ضَلَّ عَنْهُم: أي ذهب واضمحل، هذا أصل معنى كلمة الضلال في كلام العرب، ويأتي كثيراً بمعنى الذهاب عن الحق خاصة، غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ [سورة الفاتحة:7]، ولكن يأتي في القرآن على أصل معناه في اللغة وهو الذهاب عن حقيقة الشيء، أو الذهاب عن الشيء والاضمحلال، كقول أبناء يعقوب ليعقوب : إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ [سورة يوسف:95]، ليس المقصود أنه ضال عن الهدى، وإنما قصدوا بذلك أنه ذاهب عن الحق في شأن يوسف  إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ؛ لأنهم لو اتهموه بأنه ضال عن الهدى والإيمان لكفروا بذلك، فهو نبي من أنبياء الله - عليهم الصلاة والسلام -، وإنما المقصود هنا الذهاب عن حقيقة الشيء، تقول: ضل الماء في اللبن بمعنى ذهب واضمحل، وهكذا.. وله شواهد كثيرة في كلام العرب.