هنا في قوله - تبارك وتعالى -: وَإِذَا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُواْ الْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَاءهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَآؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْ مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ وَأَلْقَوْاْ إِلَى اللّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ، هنا في هذا المقام يعترفون، ويقولون: هَؤُلاء شُرَكَآؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْ مِن دُونِكَ [سورة النحل:86]، وفي بعض المواضع ينكرون الإشراك أصلاً، وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [سورة الأنعام:23]، فهم في البداية ينكرون، فإذا قامت عليهم الحجج وشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجوارحهم عندئذ يقرون ويعترفون، وهنا قال الله عن هؤلاء المعبودين إنهم ينكرون عبادة هؤلاء فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ، كما أخبر الله عنهم في يوم القيامة أنهم يكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضاً، فهؤلاء الذين يُعبدون سواء كانوا من الملائكة حينما يقولون: بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ [سورة سبأ:41]، أو كانوا من غيرهم كعيسى ﷺ، أو كانوا من الأصنام والأحجار والأشجار أو غير هذا، فهؤلاء يتبرءون منهم ومن عبادتهم، فيقولون هذا، فما المراد بذلك؟ أما من لا يرضى بعبادتهم فهذا ظاهر، لكن هم وجهوا العبادة إليه، وهو غير راضٍ بهذا، فكيف قال: مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ [سورة القصص:63]، مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ [سورة يونس:28] كيف أنكروا هذا؟ الجواب: أنهم في الواقع إنما عبدوا الشيطان الذي زين لهم هذا العمل، فهؤلاء الملائكة أو الأنبياء الذين عُبدوا، أو الصالحون لم يكونوا يرضون بهذه العبادة، ولم يدعوا الناس إليها، ولم يقروهم على ذلك، وإنما زين لهم الشيطان هذا العمل فاستجابوا له، فاستجابتهم هذه هي عبادة للشيطان، ولهذا قال إبراهيم لأبيه: يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ [سورة مريم:44] مع أن أباه ما كان يعبد الشيطان في الظاهر وإنما كان يعبد الأصنام أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً [سورة الأنعام:74] فسماها عبادة للشيطان، فهذه الأحجار والأشجار التي لا تعقل هي لا تصلح للعبادة، وإنما الذي يزين عبادتها هو الشيطان، فيكون هؤلاء من حزب الشيطان وأتباعه وعابديه، ولما بعث النبي ﷺ خالد بن الوليد إلى العزى فقطع السمرات ثم رجع إلى النبيﷺ وأخبره، فأخبره النبي ﷺ أنه لم يفعل شيئاً فرجع إليها فوجد امرأة سوداء ناشرة شعرها، تولول، فعلاها بالسيف، فلما رجع إلى النبي ﷺ وأخبره، قال: تلك العزى هي شيطان؛ ولهذا من المعروف عند العرب في أخبارهم أنهم ربما سمعوا من هذه المعبودات من الأحجار والأصنام من يجيبهم ويرد عليهم، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أيضاً عن أولئك الذين يعظمون القبور، ويعبدونها من دون الله ، ويعبدون من يسمونهم بالأولياء أنه ربما تلاعب بهم الشيطان، فإذا ركب الواحد منهم البحر وهاجت الريح وارتفع الموج وأوشكوا على الغرق والهلكة، ربما صاح الواحد منهم مستغيثاً بذلك المعبود من دون الله: يا فلان، يا جيلاني، يا بدوي، فتخرج لهم يد تنتشلهم في هذا المركب، ويكون هذا من عمل الشيطان، يلبّس عليهم، وذكروا أن الواحد منهم ربما كان يجلس على الطعام فيرى يد شيخه - وشيخه بعيد يمكن أن يكون في المغرب أو نحو هذا، وهذا في المشرق -، تأكل معه، فيظهر له أن ذلك على سبيل الكرامة، والواقع أن هذا هو الشيطان يتلاعب بهم، فحيله كثيرة ويأتي لكل أناس من الطريق الذي يميلون إليه، والله المستعان.