الأحد 20 / ذو القعدة / 1446 - 18 / مايو 2025
وَيَدْعُ ٱلْإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلْخَيْرِ ۖ وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنُ عَجُولًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً[سورة الإسراء:11].

يخبر تعالى عن عجلة الإنسان ودعائه في بعض الأحيان على نفسه، أو ولده، أو ماله بالشر، أي: بالموت أو الهلاك والدمار واللعنة ونحو ذلك، فلو استجاب له ربه لهلك بدعائه، كما قال تعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ [سورة يونس:11] الآية، وكذا فسره ابن عباس - ا - ومجاهد وقتادة، وقد تقدم في الحديث:  لا تدعوا على أنفسكم، ولا على أموالكم أن توافقوا من الله ساعة إجابة يستجيب فيها [1]، وإنما يحمل ابنَ آدم على ذلك قلقُه وعجلته؛ ولهذا قال تعالى:وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً، وقد ذكر سلمان الفارسي وابن عباس ههنا قصة آدم حين همّ بالنهوض قائماً قبل أن تصل الروح إلى رجليه، وذلك أنه جاءته النفخة من قبل رأسه، فلما وصلت إلى دماغه عطس، فقال: الحمد لله، فقال الله: يرحمك ربك يا آدم، فلما وصلت إلى عينيه فتحهما، فلما سرت إلى أعضائه وجسده، جعل ينظر إليه ويعجبه، فهم بالنهوض قبل أن تصل إلى رجليه فلم يستطع، وقال: يا رب عجل قبل الليل.

قوله:  وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ المعنى المتبادر الظاهر المشهور الذي عليه عامة المفسرين هو أنه قد يدعو على نفسه، أو ماله أو ولده، ونحو هذا، ويدخل في هذا ما ذكره بعضهم مما قد يقع من الإنسان في حال جهالته أيضاً، كقولهم: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ[سورة الأنفال:32]، هذا من دعائه بالشر، وهناك معنىً آخر ذكره بعض أهل العلم، قال: إنه يدعو بالشر أي بتحصيله وطلبه، وهو ما لا يرضي الله ، فقد يدعو ربه أن ييسر له المعصية، وهذا دعاء بالشر، هكذا قال بعضهم، وبعض السفهاء يقول:

أطوف بالبيت فيمن يطوف وأرفع من مئزري المسبلِ
وأسجد بالليل حتى الصباح وأتلو من المحكم المنزلِ
عسى فارج الهم عن يوسف يُسخِّر لي رَبَّة المحملِ

ربة المحمل: يعني صاحبة الهودج، يطوف بالبيت فيمن يطوف، يسجد بالليل حتى الصباح، ويتلو من المحكم المنزل، كل هذا من أجل أن ييسر له ربة المِحمَل، أو المَحمِل، والظاهر المتبادر أن المقصود بـ وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ -لأنه قال: وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً- أنه قد يدعو على نفسه، أو يدعو على ولده ومن يحب، أو على ماله، في حالات غضبه، ثم يندم على ذلك، ولو وقع ما دعا به لأكلته الحسرة والندامة.

  1. رواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر، برقم (3009).