الأحد 06 / ذو القعدة / 1446 - 04 / مايو 2025
رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِى نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا۟ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلْأَوَّٰبِينَ غَفُورًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

 

رّبّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنّهُ كَانَ لِلأوّابِينَ غَفُوراً [سورة الإسراء:25].

قال سعيد بن جبير: هو الرجل تكون منه البادرة إلى أبويه، وفي نيته وقلبه أنه لا يؤخذ به، وفي رواية: لا يريد إلا الخير بذلك، فقال: رّبّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ، وقوله:فَإِنّهُ كَانَ لِلأوّابِينَ غَفُوراً قال قتادة: للمطيعين أهل الصلاة، وقال شعبة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب في قوله: فَإِنّهُ كَانَ لِلأوّابِينَ غَفُوراً قال: الذين يصيبون الذنب ثم يتوبون، ويصيبون الذنب ثم يتوبون.

وقال عطاء بن يسار وسعيد بن جبير ومجاهد: هم الراجعون إلى الخير، وقال مجاهد عن عبيد بن عمير في الآية: هو الذي إذا ذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر الله منها، ووافقه مجاهد في ذلك.

وقال ابن جرير: والأولى في ذلك قول من قال: هو التائب من الذنب، الرجاع من المعصية إلى الطاعة، مما يكره الله إلى ما يحبه ويرضاه، وهذا الذي قاله هو الصواب؛ لأن الأواب مشتق من الأوب، وهو الرجوع، يقال: آب فلان إذا رجع، قال تعالى: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ [سورة الغاشية:25]، وفي الحديث الصحيح أن رسول الله ﷺ كان إذا رجع من سفر قال:  آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون[1].

هنا في قوله: رّبّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ يقول: "قال سعيد بن جبير: هو الرجل تكون منه البادرة إلى أبويه"، إلى آخره، بمعنى أنه تحصل منه الإساءة دون قصد.

رامَ نفعاً فضرّ من غير قصدٍ ومن البرِّ ما يكون عقوقاً

وقد لا يوفق الإنسان، يريد البر فتحصل من جراء ذلك الإساءة إلى الوالدين فمثل هذا يغتفر، الله يغفر له لحسن قصده، أنه ما أراد الإساءة والعقوق، وهناك معنىً آخر لا ينافي هذا المعنى، والآية بعمومها تشمل ذلك كله رّبّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ يعني: من صلاح القصد والنية والإخلاص في البر، ومن يفعل ذلك تصنعاً وتكلفاً أو رياءً، وما أشبه ذلك من المعاني الفاسدة، فتكون الآية مضمنة بهذا الاعتبار معنى الإخلاص أو الأمر بالإخلاص، إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا، "قال قتادة: للمطيعين أهل الصلاة"، فالمطيع راجع إلى طاعة الله ، والمتبادر أنه الذي يتوب، يصيب الذنب فيتوب، ولما كان الإنسان لابد له من ذنوب ولابد له من تقصير في الطاعات، كان لابد له من توبة مع كل تقصير وذنب، فأتى بلفظ الأوابين على صيغة المبالغة، كثرة التوبة وكثرة الرجوع. -والله أعلم-.

  1. رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب ما يقول إذا رجع من الغزو، برقم (2920)، ومسلم، كتاب الحج ، باب ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره، برقم (1345)، من حديث أنس بن مالك.