يقول ابن عباس - ا -: ثم أنزل الله: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْالآية، وقوله تبارك وتعالى:وَقُل رّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبّيَانِي صَغِيراًمقيدة بالآيات الأخرى، أي ما لم يكونا على الإشراك، لكن لو أن أحداً دعا لوالديه في حال الحياة بالرحمة، قال: رب ارحمهما كما ربياني صغيراً، وقصد بالرحمة أن الله يلطف بهما فيحصل من ذلك الدخول في الإسلام، هذا من رحمة الله بالعبد، فهذا لا محظور فيه، فقال هنا: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذّلّ، قال الحافظ - رحمه الله -: "تواضع لهما بفعلك"، التواضع لين الجانب، والجناح مضاف إلى الذل، وهذا من إضافة الموصوف إلى صفته، فيكون المعنىوَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذّلّ يعني: جناحك الذليل، يعنى: تواضع، الجناح يطلق على الجانب، ويطلق على يد الإنسان جناح، فإذا أراد الإنسان أن يبطش رفع يده، ويمكن أن يتصوره الإنسان بتصور الطائر حينما يرفرف بجناحيه على صغاره، مِنَ الرّحْمَةِ وهذا قيد يبيّن أن صدور هذا الفعل وهو التواضع ليس لمصلحة دنيوية ولا لخوف ولا رياء، وإنما يكون ناتجاً من الرحمة بهما، ولا يفعل ذلك خوفاً، ويدل على تأكده وتأصله وتجذره ما بعده من قوله:وَقُل رّبّ ارْحَمْهُمَا فهو يدعو لهما، لكن من يفعل هذا رياءً أو يفعل ذلك خوفاً أو رجاء مصلحة دنيوية، لن يتحرك في قلبه مثل هذا الدعاء فيدعو لهما في الصلاة وغيرها.
وقد جاء في بر الوالدين أحاديث كثيرة منها الحديث المروي من طرق عن أنس وغيره أن النبي ﷺ لما صعد المنبر ثم قال: آمين آمين آمين قيل: يا رسول الله علام أمنت؟ قال:أتاني جبريل فقال: يا محمد رغم أنف رجل ذكرتَ عنده فلم يصل عليك، قل: آمين، فقلت: آمين، ثم قال رغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم خرج فلم يغفر له، قل: آمين، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة، قل: آمين، فقلت: آمين [1].
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: رغم أنف، ثم رغم أنف ثم رغم أنف رجل أدرك أحد أبويه أو كليهما عند الكبر ولم يدخل الجنة [2]، صحيح من هذا الوجه ولم يخرجوه، سوى مسلم.
روى الإمام أحمد عن معاوية بن جاهمة السلمي: أن جاهمة جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله أردت الغزو وجئتك أستشيرك، فقال: فهل لك من أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها فإن الجنة عند رجليها [3]، ثم الثانية ثم الثالثة في مقاعد شتى كمثل هذا القول، ورواه النسائي[4] وابن ماجه[5].
روى الإمام أحمد عن المقدام بن معد يكرب عن النبي ﷺ قال:إن الله يوصيكم بآبائكم، إن الله يوصيكم بأمهاتكم، إن الله يوصيكم بأمهاتكم، إن الله يوصيكم بأمهاتكم، إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب [6]، وأخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن عياش به.
روى أحمد عن رجل من بني يربوع قال: أتيت النبيﷺ فسمعته وهو يكلم الناس يقول: يد المعطي العليا، أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك [7].
- رواه البخاري في الأدب المفرد، باب من ذُكر عنده النبي ﷺ فلم يصلِّ عليه، برقم (644)، والبيهقي في شعب الإيمان برقم (1471)، وقال الألباني في صحيح الأدب المفرد: صحيح لغيره برقم (501).
- رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب رغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما عند الكبر فلم يدخل الجنة، برقم (2551)، وأحمد في المسند (14/231)، برقم (8557)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم.
- رواه أحمد في المسند برقم (15538)، وقال محققوه: إسناده حسن، وقال الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح: إسناده جيد، برقم (4939).
- رواه النسائي، كتاب الجهاد، باب الرخصة في التخلف لمن له والدة، برقم (3104).
- عن معاوية بن جهامة السلمي - قال: أتيت رسول الله فقلت: يارسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، قال: ((ويحك، أحية أمك؟))، قلت: نعم، قال: ((ارجع فبرّها))، ثم أتيته من الجانب الآخر فقلت: يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، قال: ((ويحك، أحية أمك؟))، قلت: نعم يا رسول الله، قال: ((فارجع إليها فبرها))، ثم أتيته من أمامه فقلت: يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله، والدار الآخرة، قال: ((ويحك، أحية أمك؟))، قلت: نعم، يا رسول الله قال: ((ويحك، الزم رجلها، فثَمّ الجنة))، كتاب الجهاد، باب الرجل يغزو وله أبوان، برقم (2781)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم (2241)، وحسنه في صحيح الجامع برقم (1248).
- رواه أحمد في المسند (28/424)، برقم (17187)، وقال محققوه: إسناده حسن، وابن ماجه، كتاب الأدب، باب بر الوالدين، برقم (3661)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1924).
- رواه النسائي، كتاب الزكاة، باب أيتهما اليد العليا، برقم (2532)، وأحمد في المسند (11/674) برقم (7105)، وقال محققوه: إسناده حسن، وقال الألباني: سنده جيد، في إرواء الغليل تخريج أحاديث منار السبيل (3/319)، وصححه في صحيح الجامع برقم (8067).