الأربعاء 07 / ذو الحجة / 1446 - 04 / يونيو 2025
ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوْحَىٰٓ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ ۗ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتُلْقَىٰ فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا [سورة الإسراء:39]، يقول تعالى: هذا الذي أمرناك به من الأخلاق الجميلة، ونهيناك عنه من الصفات الرذيلة، مما أوحينا إليك يا محمد لتأمر به الناس، وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَىَ فِي جَهَنّمَ مَلُوماً أي: تلومك نفسك ويلومك الله والخلق، مدْحُوراً أي: مبعداً من كل خير، قال ابن عباس - ا - وقتادة: مطروداً، والمراد من هذا الخطاب الأمة بواسطة الرسول ﷺ، فإنه - صلوات الله وسلامه عليه - معصوم.

الخطاب الموجه للنبي ﷺ في القرآن فيه تفصيل وهو على ثلاثة أنواع، منه ما وجد معه قرينة أن المراد الأمة، والأصوليون كثيراً ما يمثلون بقوله: إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ [سورة الطلاق:1]، جاء بصيغة الجمع، لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ إلى آخره، ومنه أيضاً قول الله : وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ [سورة الإسراء:23] والنبي ﷺ لم يكن له من أبويه أحد على قيد الحياة حينما نزلت عليه الآيات، وأحياناً يوجد معه قرينة على إرادة الاختصاص كقوله: خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [سورة الأحزاب:50]، وأحياناً لا توجد قرينة، فمثل هذا هو موضع الاختلاف، وهذا يقال فيه: إن الأمة مخاطبة به؛ لأن الأمة تخاطَب في شخص قدوتها .

وقال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في قوله: ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ: "هذا الذي أمرناك به من الأخلاق الجميلة، ونهيناك عنه من الصفات الرذيلة، مما أوحينا إليك يا محمد لتأمر به الناس"، والحكمة تقال للإصابة في القول والعمل، وقريب من هذا قول من قال: إنها وضع الشيء في موضعه، وأصل الحكمة المنع في كل الاستعمالات، حِكَم تدور على المنع، فالحكمة صفة وخلّة جميلة تمنع صاحبها من الخطل في الرأي، والخلل، والغلط في القول والعمل؛ ولذلك يقال: ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ يعني: من الصفات الكاملة، والأعمال الجميلة، والأخلاق الفاضلة التي لا يتطرق إليها في هذه الوصايا خلل ولا خطل، وإنما هي كمالات أمر الله بها، أو دنايا ورذائل نهى الله - تبارك وتعالى - عنها، فما يقوله الله ويأمر به كله صواب وحق وصدق.