قال المصنف - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى:أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيمًا[سورة الإسراء:40].
يقول تعالى راداً على المشركين الكاذبين الزاعمين - عليهم لعائن الله - أن الملائكة بنات الله، فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً، ثم ادعوا أنهم بنات الله، ثم عبدوهم فأخطئوا في كل من المقامات الثلاث خطأ عظيماً، فقال تعالى منكراً عليهم: أَفَأَصْفَاكُمْ رَبّكُم بِالْبَنِينَ أي: خصصكم بالذكور وَاتّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثاً أي: واختار لنفسه على زعمكم البنات، ثم شدد الإنكار عليهم فقال: إنكم لتقولون قولاً عظيماً أي: في زعمكم أن لله ولداً، ثم جعْلِكم ولده الإناث التي تأنفون أن يكنّ لكم، وربما قتلتموهن بالوأد، فتلك إذاً قسمة ضيزى، وقال تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً لقد جئتم شيئاً إدّاً تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [سورة مريم:88-95].
فيقول الله - تبارك وتعالى -: أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثًا، الهمزة للاستفهام الإنكاري، والمقصود أن الله تعالى ينكر عليهم زعمهم وافتراءهم بأنه - تبارك وتعالى - أعطاهم، أو أن الملائكة بنات الله، أَفَأَصْفَاكُمْ أي: خصكم بِالْبَنِينَ، ومعلوم أن الملوك إنما يصطفون لأنفسهم أفضل ما يوجد دون الأضعف والأقل، فإذا كنتم تحتقرون البنات وتئدونهن، كما يقول الله عنكم: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ [سورة النحل:58-59]، فكيف تنسبون ذلك لله وهو مالك الملك، كيف خصكم بالأبناء الذين هم أشرف وأعظم، واتخذ الأضعف والأقل؟ هذا لا يكون، فهذا يدل على سوء نظرهم وضعف عقولهم.