السبت 10 / ذو الحجة / 1446 - 07 / يونيو 2025
قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُۥٓ ءَالِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّٱبْتَغَوْا۟ إِلَىٰ ذِى ٱلْعَرْشِ سَبِيلًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قُلْ لّوْ كَانَ مَعَهُ آلهة كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاّبْتَغَوْاْ إلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً ۝ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا[سورة الإسراء:42-43].

يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الزاعمين أن لله شريكاً من خلقه، العابدين معه غيره، ليقربهم إليه زلفى: لو كان الأمر كما تقولون، وأن معه آلهة تعبد لتقرّب إليه وتشفع لديه، لكان أولئك المعبودون يعبدونه ويتقربون إليه ويبتغون إليه الوسيلة والقربة، فاعبدوه أنتم وحده كما يعبده من تدعونه من دونه، ولا حاجة لكم إلى معبود يكون وساطة بينكم وبينه، فإنه لا يحب ذلك ولا يرضاه، بل يكرهه ويأباه، وقد نهى عن ذلك على ألسنة جميع رسله وأنبيائه، ثم نزه نفسه الكريمة وقدّسها فقال:سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ أي: هؤلاء المشركون المعتدون الظالمون في زعمهم أن معه آلهة أخرى، عُلُوّاً كَبِيراً أي: تعالياً كبيراً، بل هو الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.    

هذه الآية مشهورة عند أهل الكلام في الاعتقاد يذكرونها في دلائل الربوبية، ويسمونها: دليل التمانع في الربوبية، ورد عليهم بعض أهل العلم، تجدون هذا في كلام شيخ الإسلام وفي كلام ابن القيم، وما ضمن من كلامهما في شرح العقيدة الطحاوية، وذلك أن هذه الآية ذكر الله فيها الآلهة قال:قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ وما قال: "أرباب"، إِذاً لاّبْتَغَوْاْ إلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً، فيرون أن هذه الآية يمكن أن تكون دليلاً على التمانع في الإلهية وليس الربوبية، وأن الأقرب في التمانع في الربوبية قوله تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ[سورة المؤمنون:91]، فالمقصود أن هذه الآية قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً، وأيضاًلَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا[سورة الأنبياء:22]، وهذه الآية فيها للعلماء قولان مشهوران، ذكر الأول منهما الحافظ ابن كثير - رحمه الله -، يقول: "لكان أولئك المعبودون يعبدونه ويتقربون إليه، ويبتغون إليه الوسيلة والقربة، فاعبدوه أنتم"، يقول: لو كان معه آلهة كما يقولون فإنهم سيكونون دونه في المرتبة وسيكون حالهم التقرب إليه، وطلب الزلفى لديه ، فهو العظيم الأعظم -جل شأنه-، فينبغي عليكم أن تعبدوه وتفردوه بالعبادة وتوحدوه، وهذا المعنى هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه الآية وتلميذه ابن القيم، وكذلك أيضاً كبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله -، والمعنى الثاني في الآية وهو أيضاً محتمل، بل لربما يكون أكثر احتمالاً أخذاً من ظاهر القرآن، وهو أن المقصود إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً أي: سبيلاً إلى مغالبته، وليس سبيلاً إلى عبادته، وهذا هو المتبادر، ويدل عليه ظاهر قوله تعالى:مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، ومن أهل العلم من يقول: كل واحد من هذه المعاني يوجد ما يشهد له وهو معنىً صحيح تحتمله الآية فتحمل على المعنيين، وهذا الذي ذهب إليه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -.

يقول: لّوْ كَانَ مَعَهُ آلهة كَمَا يَقُولُونَ هذه قراءة ابن كثير وحفص، وقرأ الباقون "كما تقولون"، يعني: أيها المشركون.

وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: "قُلْ لّوْ كَانَ مَعَهُ آلهة كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاّبْتَغَوْاْ إلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً فقيل: لابتغوا السبيل إليه بالمغالبة، والقهر كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض، ويدل عليه قوله في الآية الأخرى: وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ قال شيخنا   : والصحيح أن المعنى لابتغوا إليه سبيلاً بالتقرب إليه وطاعته، فكيف تعبدونهم من دونه وهم لو كانوا آلهة كما يقولون لكانوا عبيداً له؟، قال: ويدل على هذا وجوه: منها قوله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ أي: هؤلاء الذين يعبدونهم من دوني هم عبادي كما أنتم عبادي ترجون رحمتي وتخافون عذابي، فلماذا تعبدونهم من دوني؟. الثاني: أنه سبحانه لم يقل لابتغوا عليه سبيلاً، بل قال: لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً وهذا اللفظ إنما يستعمل في القرب كقوله تعالى: اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ[سورة المائدة:35]، وأما في المغالبة فإنه يستعمل بعلى كقوله:فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً[سورة النساء:34]، الثالث: إنهم لم يقولوا: إن آلهتهم تغالبه وتطلب العلو عليه، وهو سبحانه قال: قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ وهم إنما كانوا يقولون: إن آلهتهم تبتغي التقرب إليه وتقربهم زلفى إليه فقال: لو كان الأمر كما تقولون لكانت تلك الآلهة عبيداً له فلماذا تعبدون عبيده من دونه؟"[1].

وقال - رحمه الله تعالى -: "وكذلك قوله سبحانه مقرراً لبرهان التوحيد أحسن تقرير وأوجزه وأبلغه: قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً، فإن الآلهة التي كانوا يثبتونها معه -سبحانه - كانوا يعترفون بأنها عبيده ومماليكه ومحتاجة إليه، فلو كانوا آلهة كما يقولون لعبدوه وتقربوا إليه وحده دون غيره، فكيف يعبدونهم من دونه؟ وقد أفصح سبحانه بهذا بعينه في قوله:أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [سورة الإسراء:57] أي: هؤلاء الذين يعبدونهم من دوني هم عبيدي، كما أنتم عبيدي، يرجون رحمتي ويخافون عذابي، كما ترجون أنتم رحمتي وتخافون عذابي، فلماذا تعبدونهم من دوني؟[2].

  1. بدائع التفسير (2/137-138)، وانظر: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، للإمام ابن القيم (144). 
  2. انظر: الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لابن القيم (2/462).