السبت 10 / ذو الحجة / 1446 - 07 / يونيو 2025
تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

تُسَبّحُ لَهُ السّمَاوَاتُ السّبْعُ وَالأرْضُ وَمَن فِيهِنّ وَإِن مّن شَيْءٍ إِلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً[سورة الإسراء:44].

يقول تعالى: تقدسه السموات السبع والأرض ومن فيهن، أي من المخلوقات، وتنزهه وتعظمه وتبجله وتكبره عما يقول هؤلاء المشركون، وتشهد له بالوحدانية في ربوبيته وإلهيته:

ففي كل شيءٍ له آيةٌ تدل على أنه واحد

كما قال تعالى:تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً[سورة مريم:90-91].

هذا البيت:

ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد

 هذا البيت يورده من يقول بأن التسبيح بلسان الحال، فهي شاهدة على وحدانيته وربوبيته وإلهيته   ، والتسبيح على ظاهره، وجاء بلفظة "مَن" التي عادة تستعمل فيما من شأنه أن يُوصف بالعلم، وعموم الظاهر في الآية مع قوله:وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ يدل على أن كل شيء يسبح، كما في الآيات الأخرى سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ [سورة الحديد:1]، يُسَبِّحُ لِلَّهِ [سورة الجمعة:1]، فكل ما في هذا الكون يسبح من العقلاء وغير العقلاء، ولا يُخص ذلك بما له نفس وروح، حتى النبات والأحجار لحديث حنين الجذع[1]، وكذلك ما جاء عن النبي ﷺ :  إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن [2]، وتسبيح الحصى، إلى غير ذلك،.

وقوله:وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ أي: وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله، وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ أي: لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس؛ لأنها بخلاف لغاتكم، وهذا عام في الحيوانات والجمادات والنباتات، وهذا أشهر القولين، كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود  أنه قال: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل[3].

وروى الإمام أحمد عن معاذ بن أنس عن رسول الله ﷺ أنه دخل على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل، فقال لهم:  اركبوها سالمة، ودعوها سالمة، ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق، فرب مركوبة خير من راكبها، وأكثر ذكراً لله منه [4].

وفي سنن النسائي عن عبد الله بن عمرو - ا - قال: نهى رسول الله ﷺ عن قتل الضفدع[5].

نهى عن قتلها لأن نقيقها تسبيح.

وقوله:إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا أي: إنه لا يعاجل من عصاه بالعقوبة، بل يؤجله ويُنظره فإن استمر على كفره وعناده أخذه أخذ عزيز مقتدر، كما جاء في الصحيحين:  إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته  ثم قرأ رسول الله ﷺ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ[سورة هود:102] الآية[6]. وقال تعالى: وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ[سورة الحج:48] الآية، وقال: فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ[سورة الحج:45] الآيتين.

ومن أقلع عما هو فيه من كفر أو عصيان، ورجع إلى الله وتاب إليه تاب عليه، كما قال تعالى:وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ[سورة النساء:110] الآية، وقال ههنا:إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا، كما قال في آخر فاطر: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [سورة فاطر:41]، إلى أن قال: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ...[سورة فاطر:45] إلى آخر السورة.

 

  1. رواه البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم (3390).
  2. رواه مسلم، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي ﷺ وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، برقم (2277).
  3. رواه البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم (3386).
  4. رواه أحمد في المسند (24/392)، برقم (15629)، وقال محققوه: حديث حسن.
  5. رواه الإمام أحمد في المسند (25/36)، برقم (15757)، وقال محققوه: إسناده صحيح، والطبراني في المعجم الكبير، (4/104) برقم (3716)، ورواه أبو داود عن عبد الرحمن بن عثمان : "أن طبيباً سأل النبي ﷺ عن ضفدع يجعلها في دواء فنهاه النبي ﷺ عن قتلها"، كتاب الأدب، باب في قتل الضفدع، برقم (5269)، ورواه النسائي بلفظ أبي داود، كتاب الصيد والذبائح، باب الضفدع، برقم (4355)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6971).
  6. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله:  وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ ، برقم (4409)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، برقم (2583).