تُسَبّحُ لَهُ السّمَاوَاتُ السّبْعُ وَالأرْضُ وَمَن فِيهِنّ وَإِن مّن شَيْءٍ إِلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً[سورة الإسراء:44].
يقول تعالى: تقدسه السموات السبع والأرض ومن فيهن، أي من المخلوقات، وتنزهه وتعظمه وتبجله وتكبره عما يقول هؤلاء المشركون، وتشهد له بالوحدانية في ربوبيته وإلهيته:
ففي كل شيءٍ له آيةٌ | تدل على أنه واحد |
كما قال تعالى:تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً[سورة مريم:90-91].
هذا البيت:
ففي كل شيء له آية | تدل على أنه واحد |
هذا البيت يورده من يقول بأن التسبيح بلسان الحال، فهي شاهدة على وحدانيته وربوبيته وإلهيته ، والتسبيح على ظاهره، وجاء بلفظة "مَن" التي عادة تستعمل فيما من شأنه أن يُوصف بالعلم، وعموم الظاهر في الآية مع قوله:وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ يدل على أن كل شيء يسبح، كما في الآيات الأخرى سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ [سورة الحديد:1]، يُسَبِّحُ لِلَّهِ [سورة الجمعة:1]، فكل ما في هذا الكون يسبح من العقلاء وغير العقلاء، ولا يُخص ذلك بما له نفس وروح، حتى النبات والأحجار لحديث حنين الجذع[1]، وكذلك ما جاء عن النبي ﷺ : إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن [2]، وتسبيح الحصى، إلى غير ذلك،.
وقوله:وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ أي: وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله، وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ أي: لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس؛ لأنها بخلاف لغاتكم، وهذا عام في الحيوانات والجمادات والنباتات، وهذا أشهر القولين، كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه قال: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل[3].
وروى الإمام أحمد عن معاذ بن أنس عن رسول الله ﷺ أنه دخل على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل، فقال لهم: اركبوها سالمة، ودعوها سالمة، ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق، فرب مركوبة خير من راكبها، وأكثر ذكراً لله منه [4].
وفي سنن النسائي عن عبد الله بن عمرو - ا - قال: نهى رسول الله ﷺ عن قتل الضفدع[5].
نهى عن قتلها لأن نقيقها تسبيح.
وقوله:إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا أي: إنه لا يعاجل من عصاه بالعقوبة، بل يؤجله ويُنظره فإن استمر على كفره وعناده أخذه أخذ عزيز مقتدر، كما جاء في الصحيحين: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ رسول الله ﷺ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ[سورة هود:102] الآية[6]. وقال تعالى: وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ[سورة الحج:48] الآية، وقال: فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ[سورة الحج:45] الآيتين.
ومن أقلع عما هو فيه من كفر أو عصيان، ورجع إلى الله وتاب إليه تاب عليه، كما قال تعالى:وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ[سورة النساء:110] الآية، وقال ههنا:إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا، كما قال في آخر فاطر: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [سورة فاطر:41]، إلى أن قال: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ...[سورة فاطر:45] إلى آخر السورة.
- رواه البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم (3390).
- رواه مسلم، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي ﷺ وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، برقم (2277).
- رواه البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم (3386).
- رواه أحمد في المسند (24/392)، برقم (15629)، وقال محققوه: حديث حسن.
- رواه الإمام أحمد في المسند (25/36)، برقم (15757)، وقال محققوه: إسناده صحيح، والطبراني في المعجم الكبير، (4/104) برقم (3716)، ورواه أبو داود عن عبد الرحمن بن عثمان : "أن طبيباً سأل النبي ﷺ عن ضفدع يجعلها في دواء فنهاه النبي ﷺ عن قتلها"، كتاب الأدب، باب في قتل الضفدع، برقم (5269)، ورواه النسائي بلفظ أبي داود، كتاب الصيد والذبائح، باب الضفدع، برقم (4355)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6971).
- رواه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ ، برقم (4409)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، برقم (2583).