وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا [سورة الإسراء:53].
يأمر - تبارك وتعالى - عبده ورسوله ﷺ أن يأمر عباد الله المؤمنين أن يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسن والكلمة الطيبة، فإنهم إن لم يفعلوا ذلك، نزغ الشيطان بينهم، وأخرج الكلام إلى الفعال، وأوقع الشر والمخاصمة والمقاتلة، فإنه عدو لآدم وذريته من حين امتنع عن السجود لآدم، وعداوته ظاهرة بينة؛ ولهذا نهى أن يشير الرجل إلى أخيه المسلم بحديدة، فإن الشيطان ينزغ في يده، أي فربما أصابه بها.
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: لا يشيرن أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان أن ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار [1] أخرجاه من حديث عبد الرزاق.
قوله: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ يقول: "يأمر - تبارك وتعالى - عبده ورسوله ﷺ أن يأمر عباد الله المؤمنين أن يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسن، والكلمة الطيبة، فإنهم إن لم يفعلوا ذلك نزغ الشيطان بينهم"، يقال: نزغ ونغز، والنزغ يأتي بمعنى النخس حسّاً، ومن جهة المعنى يأتي بمعنى التحريك والتحريش والإفساد والإغراء، فكل ذلك مما يتضمه معنى النزغ، تقول: نزغه الشيطان. بمعنى حركه، أو أغراه، أو نزغ بينهم الشيطان إذا أفسد، فالشيطان يغري النفوس ويحركها، ويستثيرها من أجل مواقعة ما لا يليق من الأقوال والفعال، فالله - تبارك وتعالى - يُعلم عباده المؤمنين عداوة عدوهم إبليس، ويبيّن لهم فعله السيئ بالإفساد بينهم، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ فإنّ: هنا تشعر بالتعليل؛ أي لأن الشيطان ينزغ بينهم، والسبيل إلى سد هذا الطريق قبل الوقوع، وإلى استدراكه بعد الوقوع: أما قبل الوقوع فالله بينه في هذا الآية،يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، ما قال: يقولوا الحسن، وإنما يقول: الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فإذا أراد أن يتكلم الإنسان يتخير أحسن العبارات بما لا يؤذي السامع، ولا يجرح مشاعر الآخرين، أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، إذا أراد أن ينصح أحداً من الناس فإنه يتخير الكلمة الطيبة، التي هي الأحسن، وإذا تردد بين كلمتين وحركته نوازع الغضب فإنه يتخير الكلمة التي لا غضاضة فيها ولا عيب؛ لأن الشيطان يغري النفوس، ولو كان الإنسان مازحاً، فإنه لا يسترسل فيقع في المحظور، ويتكلم بالكلام الذي لا يليق، فكما قيل: زلة اللسان أعظم من زلة القدم؛ لأن الإنسان إذا زل بقدمه قد تنكسر رجله، ولكنه إذا زل باللسان فقد تذهب دنياه وآخرته، وبعد الوقوع: كما قال الله : وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [سورة فصلت:34]، وقوله:ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ [سورة المؤمنون:96-98]، إلى آخر الآيات التي علمنا الله فيها كيف نتخلص من شره وإفساده وتزيينه وتسويله، يقول: "فإنهم إن لم يفعلوا ذلك نزغ الشيطان بينهم".
- رواه البخاري، كتاب الفتن، باب قول النبي ﷺ من حمل علينا السلاح فليس منا ، برقم (6661)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم، برقم (2617)، وأحمد في المسند بلفظ: لا يمشين أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من نار (13/527)، برقم (8212)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.