الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِى ٱلْكِتَٰبِ مَسْطُورًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا. [سورة الإسراء: (58)].

هذا إخبار من الله  بأنه قد حتم وقضى بما عنده في اللوح المحفوظ: أنه ما من قرية إلا سيهلكها بأن يبيد أهلها جميعهم أو يعذبهم عَذَابًا شَدِيدًا إما بقتل أو ابتلاء بما يشاء، وإنما يكون ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم، كما قال تعالى عن الأمم الماضين:وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ [سورة هود:101]، وقال تعالى: فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا [سورة الطلاق:9] وقال:وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا [سورة الطلاق: (8)] الآيات.

في قوله: وَإِن مَّن قَرْيَةٍ: يعني وما من قرية، فـ"إن" هنا نافية، وقرية هنا نكرة في سياق النفي، وذلك للعموم، ما من قرية إلا وسيحصل لها هذا الإهلاك قبل يوم القيامة، أو العذاب الشديد، ويرِدُ على هذا سؤال إذا كان الأمر كما قد يفهم من ظاهر الآية، فكلام الحافظ ابن كثير هنا فيه شيء من الإجمال، لكن فيما ورد في بعض الآثار في معنى الآية: كل قرية سينزل الله  بها الإهلاك والاستئصال إما بالعذاب أو بأمر آخر، فهذا يرد عليه إشكال بالنسبة للعموم الذي في الآية، ولهذا قال بعضهم: إن هذا من باب حذف الصفة، وَإِن مَّن قَرْيَةٍ ظالمة، قالوا: توجد صفة محذوفة، وإنما يكون ذلك للقرى الظالمة، كما قال الله  : وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [سورة القصص: 59]، وخصه بعضهم بالقرى الكافرة، وهذا بمعنى الأول، قال: وَإِن مَّن قَرْيَةٍ هذا عام في اللفظ لكنه من العام المراد به الخصوص، ولا يراد به العموم، ولعل الأقرب - والله تعالى أعلم - أن يبقى ذلك على عمومه، ولا يُخص بقرى الكفار، ولا بالقرى الظالمة؛ فالله يخبر أنه ما من أهل قرية -قرية: المقصود بها أهل القرية، فالقرية تطلق تارة على هذا وتارة على ما فيها من البنيان- إلا سيهلكون إما بموت، وإما بعذاب يستأصلهم، وهذه سنة الله  في الخلق قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فالناس لا يعمرون في هذه الحياة الدنيا ويخلدون، وإنما الموت حكم لازم واقع بهم لا محالة إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ [سورة الزمر:30]، فلن يبقى أحد من الناس مخلداً في هذه الحياة، فالقرى تخلو من أهلها ويئول أمرها إلى الخراب - والمقصود بالقرى يشمل المدن - وتتلاشى، لكن الموت قد يأخذهم الواحد بعد الواحد، حتى يأتي على الجميع، فلو أن الناس في القرون الماضية ماتوا دفعة واحدة لانقطع نسلهم، ولكن أين الأجيال السابقة؟ مات الواحد بعد الواحد، ثم بعد ذلك لم يبق منهم أحد، فهكذا وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، والله أعلم، وهذا القول هو الذي اختاره الزجَّاج، وهو واضح إن شاء الله، موافق للواقع ولسنة الله  في هذا الخلق.