الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ ۚ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِىٓ أَرَيْنَٰكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِى ٱلْقُرْءَانِ ۚ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَٰنًا كَبِيرًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنّ رَبّكَ أَحَاطَ بِالنّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرّؤيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لّلنّاسِ وَالشّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْيَاناً كَبِيراً [سورة الإسراء:60].

يقول تعالى لرسوله ﷺ محرضاً على إبلاغ رسالته مخبراً له بأنه قد عصمه من الناس، فإنه القادر عليهم وهم في قبضته وتحت قهره وغلبته، وقال مجاهد وعروة بن الزبير والحسن وقتادة وغيرهم في قوله: وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنّ رَبّكَ أَحَاطَ بِالنّاسِ أي: عصمك منهم، وقوله:وَمَا جَعَلْنَا الرّؤيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لّلنّاسِ الآية، روى البخاري عن ابن عباس - ا -: وَمَا جَعَلْنَا الرّؤيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لّلنّاسِ قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله ﷺ ليلة أسري به، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ شجرة الزقوم، وكذا رواه أحمد وعبد الرزاق وغيرهما، وكذا رواه العوفي عن ابن عباس - ا -.

وهكذا فسر ذلك بليلة الإسراء: مجاهد وسعيد بن جبير والحسن ومسروق وإبراهيم وقتادة وعبد الرحمن بن زيد، وغير واحد، وقد تقدمت أحاديث الإسراء في أول السورة مستقصاة ولله الحمد والمنة، وتقدم أن ناساً رجعوا عن دينهم بعدما كانوا على الحق؛ لأنه لم تحمل قلوبهم وعقولهم ذلك، فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، وجعل الله ذلك ثباتاً ويقيناً لآخرين، ولهذا قال:إِلاّ فِتْنَةًأي: اختباراً وامتحاناً، وأما الشجرة الملعونة فهي شجرة الزقوم، كما أخبرهم رسول الله ﷺ أنه رأى الجنة والنار، ورأى شجرة الزقوم فكذبوا بذلك حتى قال أبو جهل - عليه لعائن الله -: هاتوا لنا تمراً وزبداً، وجعل يأكل من هذا بهذا، ويقول: تزقموا فلا نعلم الزقوم غير هذا، حكى ذلك ابن عباس - ا - ومسروق وأبو مالك والحسن البصري وغير واحد، وكل من قال: إنها ليلة الإسراء، فسره كذلك بشجرة الزقوم.

وقوله:وَنُخَوّفُهُمْ أي: الكفار بالوعيد والعذاب والنكال،فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْيَاناً كَبِيراً أي: تمادياً فيما هم فيه من الكفر والضلال، وذلك من خذلان الله لهم.

قوله:وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنّ رَبّكَ أَحَاطَ بِالنّاسِ يعني: أن نواصيهم بيده فهم تحت قبضته، لا يخرجون عن تصرفه في قليل ولا كثير، وقوله:وَمَا جَعَلْنَا الرّؤيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لّلنّاسِ هذه الرؤيا التي أُريها النبي ﷺ قال: هي رؤيا عين ليلة أسري به، وهذا الذي عليه عامة أهل العلم سلفاً وخلفاً، وهو الذي اختاره كبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله -، ومن المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، - رحم الله الجميع -، وهو أظهر الأقوال، مع أن من أهل العلم من قال: إن النبي ﷺ رأى في المنام، كما في حديث اختصام الملأ الأعلى مثلاً، وقد يحمل ما جاء في بعض الأحاديث على أنه رؤيا منام في الذين مر النبي ﷺ بهم، كالذي يسبح في نهر من دم، ومنهم من يقول: في ليلة الإسراء، فالذي يؤيد أن الرؤيا التي أراه الله هي رؤيا عين ليلة المعراج أن الله  قال:وَمَا جَعَلْنَا الرّؤيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لّلنّاسِ، ولم يكن من ذلك ما وقع به فتنة للناس إلا واقعة الإسراء والمعراج، وهي التي فتن بها من فتن من الكفار واستبعدوا ذلك وهالهم، واستهزءوا به ﷺ، وزادهم تكذيباً، واضطرب من اضطرب ممن لم يستقر الإيمان في قلبه، وكما سمعتم في بعض الروايات أنه رجع بعضهم، أما رؤيا المنام فلا يحصل بها هذا، ولا يُعرف أن النبي ﷺ رأى رؤيا منام فوقع بسببها فتنة للناس، فالإنسان يرى في المنام أشياء كثيرة، ولا يكون ذلك داعياً إلى الافتتان بما رأى.

قال:وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ، قال: "هي شجرة الزقوم"، كما قال الله :أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ۝ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ [سورة الصافات:62-63]، فهذه أخبر الله - تبارك وتعالى - أنها فتنة، والفتنة بها: كيف تكون شجرة -والشجر فيه اللين والطراوة والرطوبة- تنبت في أصل الجحيم الذي هو في غاية الحرارة والإحراق؟، فهذه أضداد لا تجتمع، إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ ۝ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ [سورة الصافات:63-65]، فهذه هي الشجرة المعلونة في القرآن، قيل لها ملعونة؛ لعدة أسباب من أهل العلم من يقول: إن العرب تقول لكل طعام كريه بغيض: إنه ملعون؛ ومعنى اللعن الطرد والإبعاد، فالطعام الكريه يصفونه بهذا أو يسمونه بذلك، وبعضهم يقول: لأن طلعها كأنه رءوس الشياطين، والشياطين ملعونة، وبعضهم يقول: لأنها تخرج في أصل الجحيم، وأصل الجحيم ملعون، وبعضهم قال: المراد بذلك هو أن اللعنة واقعة على آكليها، فهؤلاء الكفار يأكلون من هذه الشجرة في النار، وهم أهل لعن وإبعاد وطرد من رحمة الله - تبارك وتعالى -، لكن هذا فيه بعد، فالله وصف الشجرة بهذا، ولما كانت هذه الشجرة بهذه الصفة من قبح المنظر والهيئة، والطعم، وصفت بهذا وقيل لها: شجرة ملعونة، نسأل الله العافية.