الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰٓئِكَةِ ٱسْجُدُوا۟ لِءَادَمَ فَسَجَدُوٓا۟ إِلَّآ إِبْلِيسَ قَالَ ءَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ۝ قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الّذِي كَرّمْتَ عَلَيّ لَئِنْ أَخّرْتَنِ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إَلاّ قَلِيلاً [سورة الإسراء:61-62].

يذكر -تبارك وتعالى- عداوة إبليس - لعنه الله - لآدم وذريته، وأنها عداوة قديمة منذ خلق آدم، فإنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا كلهم إلا إبليس استكبر وأبى أن يسجد له افتخاراً عليه واحتقاراً له، قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً، كما قال في الآية الأخرى:أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ [سورة الأعراف:12]، وقال أيضاً: أرأيتك، يقول للرب جراءة وكفراً والرب يحلم وينظر قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الّذِي كَرّمْتَ عَلَيّ الآية، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا -: يقول لأستولين على ذريته إلا قليلاً، وقال مجاهد: لأحتوينّ وقال ابن زيد: لأضلنهم، وكلها متقاربة، والمعنى: أرأيتك هذا الذي شرفته وعظمته عليّ لئن أنظرتني لأضلن ذريته إلا قليلاً منهم.

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً، ذكر الله خبر آدم وإبليس، في مواضع كثيرة من القرآن في سورة البقرة، والأعراف، والإسراء، والكهف والحجر وص، وطه،وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً، والآيات في المواضع الأخرى تفسر هذا وتبين أن الذي منعه هو الاستكبار، إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ [سورة البقرة:34]، وأنه اعتز بأصله وترفع به،قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ [سورة ص:76]، والعلماء - رحمهم الله - ردوا على هذا القياس الفاسد وقالوا: إن أول من قاس قياساً فاسداً في مقابل النص هو إبليس، وبينوا وجوه تفضيل الطين على النار، قالوا: الطين توضع فيه الحبة فتخرج شجرة مثمرة، والنار لا يوضع فيها شيء إلا هلك واحترق، وقالوا: من طبيعة الطين الرزانة والثبات، ومن طبيعة النار الخفة، وقالوا: الطين يبنى بها الدور ونحو ذلك، وأما النار فهي متلفة، من طبعها الإحراق والإتلاف، إلى غير ذلك من الوجوه التي ردوا بها على إبليس.

فقوله:قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً، وقال:فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۝ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ [سورة الأعراف:14-15] أمهله الله وقال: وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ، هل قال هذا بعلم، أي أن الله أعلمه أن أكثرهم سيتبعونه؟ أو أنه قاله باعتبار أنه عرف من طبيعة آدم لما علم أنه ركب فيه الشهوات والغرائز أن ذلك سيكون سبباً لانحرافه ومعصيته لله - تبارك وتعالى -؟ أو أنه قال ذلك ظناً؟ كما قال الله  : وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ [سورة سبأ:20]، وإنما قاله ظاناً يعني بغلبة ظن، وقال:لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً، يقول الحافظ - رحمه الله - عن ابن عباس - ا -: "لأستولين على ذريته إلا قليلاً، وقال مجاهد: لأحتوين، قال ابن زيد: لأضلنهم، وكلها متقاربة"، ذكر بعض أهل العلم أن أصل الاحتناك هو الاستئصال، ومنه احتنك الجراد الزرع إذا استأصله وأتلفه، فالجراد إذا نزل بمحل في ليلٍ تُصبح ترى الأشجار بلا ورق، حتى النخيل يصبح وهو مجرد عسب ليس فيه سعف، فإبليس يقول: لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً، ومنه ما يوضع في حنك الدابة، فيسيطر عليها بهذا اللجام أو الحديدة أو نحو ذلك، فتدار كما يريد من يقودها أو يركبها، لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً، أخذاً من الحنك، بمعنى أنه يضلهم ويتلاعب بهم ويديرهم كما يشاء، ويوجههم ويتصرف بهم، ويضللهم فيتبعه أكثر الخلق، ولهذا قال الله  :وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [سورة يوسف:103]، وقال:وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ [سورة الأنعام:116] فهؤلاء حزب الشيطان وأتباعه، وهم نصيبه الذين يقودهم إلى النار، والله المستعان.