السبت 19 / ذو القعدة / 1446 - 17 / مايو 2025
إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلْءَاخِرَةِ لِيَسُۥٓـُٔوا۟ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا۟ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا۟ مَا عَلَوْا۟ تَتْبِيرًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

ثم قال تعالى: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا أي: فعليها، كما قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا .

الخطاب في قوله: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ ، يحتمل أنه متصل بما قبله،  لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ، فيقول لهم: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ فيكون الخطاب موجهاً إلى أولئك الذين وقع منهم الإفساد، ويحتمل أن يكون موجهاً لأحفادهم ممن عاصر النبي ﷺ ، ويحتمل أن يكون موجهاً للمخاطبين بالقرآن، وبعضهم يقول: للعرب من المشركين الكفار، ويمكن أن يحمل على العموم، وما قبله وما بعده في بني إسرائيل، والله تعالى أعلم.

وقوله:فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ أي: الكرّة الآخرة، أي إذا أفسدتم الكرّة الثانية وجاء أعداؤكم،  لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ  أي: يهينوكم ويقهروكم،  وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ  أي: بيت المقدس،  كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ  أي: في التي جاسوا فيها خلال الديار،  وَلِيُتَبِّرُوا  أي: يدمروا ويخربوا،  مَا عَلَوْا  أي: ما ظهروا عليه، تَتْبِيراً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ  أي: فيصرفهم عنكم،  وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا  أي: متى عدتم إلى الإفساد،  عُدْنَا  إلى الإدالة عليكم في الدنيا مع ما ندخره لكم في الآخرة من العذاب والنكال؛ ولهذا قال:  وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً  أي: مستقراً ومحصراً وسجناً لا محيد لهم عنه، قال ابن عباس - ا -: حصيراً أي سجناً، وقال مجاهد: يحصرون فيها، وكذا قال غيره، وقال الحسن: فراشاً ومهاداً، وقال قتادة: قد عاد بنو إسرائيل فسلط الله عليهم هذا الحيَّ - محمداً  ﷺ  وأصحابَه -، يأخذون منهم الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.

قوله:  فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ  جواب "إذا" محذوف تقديره: فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم ليسوءوا وجوهكم، وقوله - تبارك وتعالى -: لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ  يقول ابن كثير - رحمه الله -: "أي يهينوكم ويقهروكم"، هذا تفسير بالمعنى، والمعنى الأدق من هذا يمكن أن يكون هكذا  لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ  يعني: ليفعلوا بكم ما تحصل به المساءة لكم مما يظهر أثره في وجوهكم، فالإنسان يظهر على وجهه الأثر الذي يقع عليه، فالوجه مرآة، يعكس ما في داخل الإنسان من هم أو خوف أو ظلمة قلب، أو غير ذلك من المعاني والأحوال، فالشاهد  لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ يعني: ليفعلوا بكم ما يحصل به مساءتكم، فيظهر أثر ذلك على وجوهكم،  لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ، قال: "أي يهينوكم ويقهروكم"،  وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ يعني بيت المقدس،  كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ  أي: يدمروا ويخربوا،  مَا عَلَوْاْأي: ما ظهروا عليه  تَتْبِيرًا ،