قال: عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ، وعسى من الله واجبة، أي متحققة الوقوع، فأدالهم الله على عدوهم وأظهرهم عليه، قال: وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا، إن عدتم إلى الإفساد عدنا إلى الإدالة عليكم، وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا عامة المفسرين يقولون: إن ذلك قد وقع في زمان النبي ﷺ
وفي قوله هنا: لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ في قراءة لأبيّ لَنسوءنْ وجوهكم يكون من فعل الله ، وفي قراءة متواترة لحمزة وابن عامر ليسوء ، وفي قراءة للكسائي لنسوء كل ذلك من فعل الله ، وبعضهم يفسر الوجوه بالأشراف والسادة، لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ كما قال الله : إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً [سورة النمل:34] وهم وجوه الناس، وهذا المعنى بعيد؛ لأنه خلاف الظاهر المتبادر من القرآن.
وقوله - تبارك وتعالى -: وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ، ذكر المعنيين، المعنى الأول: أنها تحصرهم، وإذا كانت تحصرهم يلزم من ذلك أن تكون سجناً لهم، فمن فسره بالسجن فهذا تفسير باللازم، فجهنم تحصرهم وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا[سورة الفرقان:13]، والمعنى الثاني: هو ما نقله عن الحسن قال: "فراشاً ومهاداً"، فسر هنا حصيراً بالحصير الذي يُفرش ويُجلس عليه، والله قال: لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [سورة الأعراف:41]، فيمكن أن يفسر الحصير هنا بهذا المعنى، فالمعنيان كلاهما تحتمله هذه اللفظة، ويمكن أن يفسر بهما فيقال: جهنم تكون سجناً لهم، لا يستطيعون الخلاص، ولا الخروج منها، وتكون كذلك أيضاً فراشاً ومهاداً.