السبت 05 / ذو القعدة / 1446 - 03 / مايو 2025
وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَٰطِلُ ۚ إِنَّ ٱلْبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ الآية، تهديد ووعيد لكفار قريش، فإنه قد جاءهم من الله الحق الذي لا مرية فيه ولا قبل لهم به، وهو ما بعثه الله به من القرآن والإيمان والعلم النافع، وزهق باطلهم أي اضمحل وهلك، فإن الباطل لا ثبات له مع الحق ولا بقاء، بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ.[سورة الأنبياء: 18].

وروى البخاري عن عبد الله بن مسعود قال: دخل النبي ﷺ مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نُصُب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [سورة الإسراء:81]،جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ [سورة سبأ:49].

وَقُلْ جَاء الْحَقُّ إذا نظرت إلى أقوال السلف - رحمهم الله - فمنهم من يقول: جاء الإسلام، ومنهم من يقول: جاء القرآن، ومنهم من يقول غير هذا، وهذا من قبيل اختلاف التنوع، وليس من قبيل اختلاف التضاد، جَاء الْحَقُّ، هذه الكلمة كل ما يدخل تحتها فهو مضمَّن في هذا المعنى، ولهذا قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: هو ما بعثه الله به من القرآن والإيمان والعلم النافع، فالأقوال التي قالها السلف جميعاً داخلة فيه.

وَزَهَقَ الْبَاطِلُ زهق يعني ذهب واضمحل، تقول: زهقت نفسه.

إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا هذا من شأنه، أنه زهوق يعني مضمحل، فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ [سورة الرعد: 17]، فالأباطيل لا بقاء لها، قد تشغل طائفة من الناس مدة من الزمان، ولكنها ما تلبث أن تذهب وتضمحل، ويبقى الحق ثابتاً راسخاً لا يتزعزع، وهذا في كل شيء، فالباطل ضعيف خفيف ليس له جذور، وابن جرير - رحمه الله - أيضاً حمل قوله: جَاء الْحَقُّ على العموم، فكل ما قاله السلف فهو داخل فيه، وَزَهَقَ الْبَاطِلُ الكفر والشرك بالله ، ويدخل فيه المعاصي، ومحادّة الله ورسوله ﷺ ، فكله من الباطل، وكل ما خالف أمر الله فهو باطل، من الكفر وما تفرع من شجرته، فإن ذلك زائل، وكل ما أغرى بالباطل فهو كذلك، من ألوان الدعاية الداخلة تحت قوله - تبارك وتعالى -: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ [سورة الإسراء:64]، كالقنوات الفاسدة، والمجلات الفاسدة، والكتابات الفاسدة، تذهب وتضمحل، ويبقى الحق، كما قال ابن القيم - رحمه الله -:

واللهِ لولا اللهُ حافظ دينه لتهدمتْ منه قوى الأركان

لكثرة ما أجلب على الإسلام، وكثرة ما جرى من المحاولات بتبديل دين الله ، ولكن ذهبت وتلاشت، وهكذا كل ما يجري في هذا الزمان وفي غيره من محاولات لتبديل دين الله وإطفاء نوره فإنه سيذهب ويضمحل فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [سورة الأنفال:36]، هذه النهاية، وكل هذا يزول ويذهب، والله المستعان.