الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المصنف -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ۝ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [سورة الكهف:107- 108] يخبر تعالى عن عباده السعداء وهم الذين آمنوا بالله ورسوله، وصدقوا المرسلين فيما جاءوا به أن لهم جنات الفردوس.

فقال أبو أمامة : الفردوس: سرة الجنة.

وقال قتادة: الفردوس: ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها.

وقد روي هذا مرفوعاً عن سَمُرَة عن النبي ﷺ: الفردوس ربوة الجنة، أوسطها وأحسنها[1].

وروي عن قتادة عن أنس بن مالك مرفوعاً بنحوه.

روى ذلك كله ابن جرير - رحمه الله -.

وفي الصحيح: إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، ومنه تُفَجَّرُ أنهار الجنة[2].

وقوله تعالى: نُزُلًا [سورة الكهف:107] أي: ضيافة، فإن النزل هو الضيافة.

وقوله: خَالِدِينَ فِيهَا [سورة الكهف:108] أي: مقيمين ساكنين فيها، لا يظعنون عنها أبداً.

لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [سورة الكهف:108] أي: لا يختارون عنها غيرها، ولا يحبون سواها، وفي قوله: لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [سورة الكهف:108] تنبيه على رغبتهم فيها، وحبهم لها، مع أنه قد يتوهم فيمن هو مقيم في المكان دائماً أنه قد يسأمه أو يمله، فأخبر أنهم مع هذا الدوام والخلود السرمدي لا يختارون عن مقامهم ذلك متحولاً ولا انتقالاً ولا ظعناً ولا رحلة ولا بدلاً.

فقوله - تبارك وتعالى -: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [سورة الكهف:107] الفردوس بعض أهل العلم يقول: معناه في كلام العرب: الشجر الكثير الملتف، وغالبه من العنب، وبعضهم يقول: إن هذه الكلمة في أصلها غير عربية، وإنها كلمة رومية، بمعنى البستان.

وعلى كل حال معروف كلام أهل العلم فيما يسمى بالمعرّب، هل يوجد شيء من كلام الله فيما يتعلق بالأسماء المنكّرة غير الأعلام بغير العربية أو لا ؟ مع أن أهل العلم يتفقون ويجمعون على أنه لا يوجد في القرآن شيء من التراكيب بالأعجمية، وأما الأسماء - أسماء الأعلام - فإنها تقال كما هي، بعض أهل العلم يقول: هي مشتركة بين اللغات، وبعضهم يقول: منها ما هو عربي، ومنها ما هو أعجمي، وأسماء الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - التي في القرآن غير عربية، سوى أربعة: محمد ﷺ، وشعيب وصالح وهود، وتبقى الكلمات المنكّرة مثل كلمة فردوس ومشكاة وإستبرق وما إلى ذلك، وهكذا قال صاحب المراقي:

ما كان منه مثل إسماعيل ويونس قد جاء في التنزيل
إن كان منه واختلاف الأكثر  والشافعي النفي للمنكّر

 

المنكّر يعني: مثل: فردوس ومشكاة وإستبرق وسندس.

قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "والفردوس اسم يقال على جميع الجنة، ويقال على أفضلها وأعلاها، كأنه أحق بهذا الاسم من غيره من الجنات، وأصل الفردوس البستان، والفراديس البساتين، قال كعب: هو البستان الذي فيه الأعناب، وقال الليث: الفردوس جنة ذات كروم، يقال: كرم مفردس أي معرش.

وقال الضحاك: هي الجنة الملتفة بالأشجار، وهو اختيار المبرد، وقال: الفردوس - فيما سمعت من كلام العرب - الشجر الملتف، والأغلب عليه العنب، وجمعه الفراديس؛ قال: ولهذا سمي باب الفراديس بالشام، وأنشد لجرير:

فقلت للركب إذ جد المسير بنا يا بُعد نيرين من باب الفراديس

 

وقال مجاهد: هذا البستان بالرومية، واختاره الزجاج، فقال: هو بالرومية منقول إلى لفظ العربية، قال: وحقيقته أنه البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين، قال حسان:

وإن ثواب الله كل مخلد

جنان من الفردوس فيها يخلد[3].

  1. هو بهذا اللفظ في صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني (1/ 38-11) ورواه ابن جرير في تفسيره (16/30) وقال الألباني: "قلت: وهذا إسناد ضعيف، لعنعنة الحسن وهو البصري، وضعف سعيد بن بشير، لكن الحديث صحيح، فإن له شواهد" انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (5/9).
  2. أخرجه البخاري بنحوه، في كتاب الجهاد والسير، باب درجات المجاهدين في سبيل الله، يقال: هذه سبيلي وهذا سبيلي (4/ 16- 2790) وفي كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء [هود: 7] وهو رب العرش العظيم [التوبة: 129] (9/ 125-7423).
  3. حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص: 100).