الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ ٱلرِّيَٰحُ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ مُّقْتَدِرًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقال: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ۝ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا [سورة الكهف:45-46].

يقول تعالى: وَاضْرِبْ يا محمد للناس مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا في زوالها وفنائها وانقضائها كَمَاءٍ أَنزلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ أي: ما فيها من الحَبّ، فشب وحسُن، وعلاه الزهر والنَّور والنضرة.

الزهر معروف، والنَّور هو الزهر أيضاً، ظهر نَوره يعني زهره، وبعضهم يقول: يختص بالزهر الأبيض، وأما الأصفر فيقال له: زهر، هذا مما ينبت بسبب المطر، فتخرج هذه النباتات فتخرج أزهارها فيكون ذلك زينة تستهوي الناظرين، كَمَاءٍ أَنزلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ يحتمل أن النبات اختلط بالماء حيث تغذى به، وصار ذلك نماءً له، ويحتمل فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ أي: اختلط بسبب الماء نبات الأرض، تشابك وظهرت ألوان النباتات مشتبكة متداخلة، بِهِ أي: بسببه بسبب هذا المطر، فالمعنى الأول اختلط به نبات الأرض، اختلط النبات بالماء، يعني أنه داخله ونما به وتغذى عليه، والمعنى الثاني هو المشهور، اختلط به أي اختلط النبات، نفس النبات هو الذي اختلط بسبب المطر، تشعب النبات وتشابك، والله أعلم.

ثم بعد هذا كله فَأَصْبَحَ هَشِيمًا يابسا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ أي: تفرقه وتطرحه ذات اليمين وذات الشمال.

فَأَصْبَحَ هَشِيمًا قال: يابساً وهكذا عبارة من عبر أن الشيء الهشيم هو الضعيف أو المتكسر، كل ذلك يرجع إلى شيء واحد، فَأَصْبَحَ هَشِيمًا أي: يابساً بمعنى أنه تهشم، تفتت هذا النبات بعدما كان في غاية الجمال والطراوة والخضرة، وأصبح متكسراً متفتتاً يطير في الرياح يمنة ويسرة، تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ.

وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا أي: هو قادر على هذه الحال، وهذه الحال، وكثيرًا ما يضرب الله مثل الحياة الدنيا بهذا المثل كما في سورة يونس: إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأنْعَامُ حَتَّى إذَا أَخَذَت الأرْضُ زُخْرُفَهَا الآية [سورة يونس:24]، وقال في سورة الزمر: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ الآية [سورة الزمر:21]، وقال في سورة الحديد: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ الآية [سورة الحديد:20]، وفي الحديث الصحيح: الدنيا حلوة خضرة[1]
  1. رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء، برقم (2742).