الأحد 28 / شوّال / 1446 - 27 / أبريل 2025
ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَٱلْبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّٰلِحَٰتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كقوله: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ [سورة آل عمران:14]، وقال تعالى: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [سورة التغابن:15] أي: الإقبال عليه والتفرغ لعبادته خير لكم من اشتغالكم بهم والجمع لهم، والشفقة المفرطة عليهم؛ ولهذا قال: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، وغير واحد من السلف: الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ الصلوات الخمس.

وقال عطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير، عن ابن عباس: الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.

وهكذا سُئل أمير المؤمنين عثمان بن عفان عن: الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ما هي؟ فقال: هي لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. رواه الإمام أحمد.

وروى الإمام أحمد عن مولى لرسول الله ﷺ أن رسول الله ﷺ قال: بخ بخ، لخمس ما أثقلهن في الميزان: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، والولد الصالح يتوفى فيحتسبه والده، وقال: بخ بخ، لخمس من لقي الله مستيقنًا بهن، دخل الجنة: يؤمن بالله، واليوم الآخر، وبالجنة وبالنار، وبالبعث بعد الموت، وبالحساب[1].

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ قال: هي ذكر الله، قول: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، وتبارك الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأستغفر الله، وصلى الله على رسول الله، والصيام، والصلاة، والحج، والصدقة، والعتق، والجهاد، والصلة، وجميع أعمال الحسنات. وهن الباقيات الصالحات التي تبقى لأهلها في الجنة، ما دامت السموات والأرض.

وقال العوفي، عن ابن عباس: هي الكلام الطيب.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هي الأعمال الصالحة كلها، واختاره ابن جرير - رحمه الله -.

قوله: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ هذه الأقاويل المنقولة عن السلف هي أشبه ما تكون بالتفسير بالمثال، وهذا كله من اختلاف التنوع وليس من اختلاف التضاد، والباقيات الصالحات تشمل ذلك جميعاً، فهي كل ما يبقى للإنسان من العمل الصالح من الأقوال والأفعال والمقاصد والنيات، فإنّ عرض الدنيا يزول ويضمحل، وإنما يبقى ما أريد به وجه الله - تبارك وتعالى -، فهذه خير عند الله ، خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا أجراً وجزاءً وَخَيْرٌ أَمَلاً أي خير أملاً لأهلها، وأفضل مما يؤمله أهل المال والبنين، خير لأهلها من الأمل، يعني أفضل مما يؤمله أهل الدنيا من دنياهم؛ لأن أهل الإيمان ينالون بهذه الأعمال في الآخرة أفضل مما كان يؤمله هؤلاء الأغنياء في الدنيا، ماذا يؤملون في الدنيا؟ يقولون: تأمين مستقبلهم والتوسع في المعايش، وملابسة وتعاطي اللذات ونحو ذلك مما يؤمله أربابها ، وأما هذه الأعمال الصالحة فإن أهل الإيمان يؤملون منها ما لا يؤمله غيرهم، يؤملون بالأعمال الطيبة الزاكية، فيؤملون الثواب العظيم من الله والجنة التي عرضها السماوات والأرض، والله المستعان.

  1. رواه أحمد في المسند، برقم (15662)، وقال محققوه: حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح، وصحح إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1204).