قوله: سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا [سورة الكهف:69]، يذكّر بالأدب الذي ذكره الله في أول السورة وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ [سورة الكهف: 23-24]، وهذا على جلالة قدر موسى وعظم مكانته وقوة شخصيته ، فقد قال في مقام التعلم: سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا.
وقد يقول قائل: هذه الرحلة الطويلة المضنية، ما هي العلوم التي رجع بها موسى ؟ فهل اكتفى موسى بمعرفته سبب خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار؟
نقول قد تعلم الشيء الكثير، ومن المعلوم أن أهل العلم يقولون: لو سافر الإنسان من أجل مسألة إلى الصين كان ذلك.
واستفاد موسى الأدب الذي أدبه الله به وهو أن يضيف العلم إلى الله؛ لأن سبب القضية أنه قال: أنا أعلم، فهذه الواحدة تكفي.
والناظر لأول وهلة لربما يرى بعض الأمور التي ينزعج منها ويقلق، ثم ينكشف الغيب بعد ذلك عن أمور ما كانت تخطر له على بال، فما يقع لموسى مع قومه، وما وقع للنبي ﷺ من التكذيب والأذى وما إلى ذلك من هذه الأمور، وما يُمتَّع به هؤلاء الذين يكذبون ويحاربون الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وما يرى ما هم فيه من التمكين أو نحو ذلك مما تنزعج له القلوب أحياناً ويقلق له الإنسان، لكن ذلك ليس هو نهاية المطاف، هذا أمر يتبدئ الآن، ولكن ليست العبرة به، العبرة مما سيكون بعده.
فهذا التمتيع الذي يحصل لهم هو شيء مؤقت لكن العبرة بما يعقبه، فما يشاهده الإنسان من أمور مقلقة ليس العبرة فيها بما يجري في لحظته وساعته، وإنما العبرة بما ينتج عن ذلك ويحصل بعده، فهذه يحتاج إليها من يدعو إلى الله، ومن يعلّم الناس ومن يربيهم، فلا يحصل له جزع ولا انقطاع ولا يضيق صدره بما يمكرون ونحو ذلك، فقصة موسى والخضر فيها من الدروس الكبيرة التي تروض النفس على الصبر والتحمل والنظر إلى العواقب، وأن لا يغتر الإنسان بما يحصل من قِبل أعداء الرسل – عليهم الصلاة والسلام -.
وإذا حصل من الإنسان خطأ أو انحراف أو تقصير فليس هو النهاية، فقد يكون هذا الإنسان ولياً من أولياء الله فيما بعد فلا تيأس منه، ولا تبتر هذا الإنسان بتراً، أو تتعامل معه معاملة من يبتره ومن يقطعه، فقد يفتح الله على قلبه، كما قال الله تعالى: عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [سورة الممتحنة:7] فصار هؤلاء مجاهدين وقادة وأئمة هدى كما هو معلوم، أسلم أبو سفيان، وأسلم الحارث بن هشام أخو أبي جهل، وأسلم معاوية وعكرمة وخالد بن الوليد وأمثال هؤلاء، ومواقفهم مشهودة معلومة، فالله يغير من حال إلى حال.