الخميس 10 / ذو القعدة / 1446 - 08 / مايو 2025
وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَٰمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُۥ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَٰلِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُۥ عَنْ أَمْرِى ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا [سورة الكهف:82].

في هذه الآية دليل على إطلاق القرية على المدينة؛ لأنه قال أولاً: حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ [سورة الكهف:77] وقال هاهنا: فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ [سورة الكهف:82] كما قال تعالى: وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ [سورة محمد:13] وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [سورة الزخرف:31] يعني: مكة والطائف، ومعنى الآية: أن هذا الجدار إنما أصلحته لأنه كان لغلامين يتيمين في المدينة، وكان تحته كنز لهما.

قال عكرمة وقتادة وغير واحد: وكان تحته مال مدفون لهما، وهو ظاهر السياق من الآية، وهو اختيار ابن جرير - رحمه الله -.

يعني: أن إطلاق القرية على المدينة هنا في هذه الآية صريح، ذكر أولاً القرية أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا [سورة الكهف:77] ثم قال: وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ [سورة الكهف:82] يعني: القرية السابقة المذكورة، فهذا الموضع صريح في القرآن على أن القرية تطلق على المدينة والعكس، وما عدا ذلك نحو وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى [سورة القصص:20] أو وَتِلْكَ الْقُرَى [سورة الكهف:59] وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ [سورة محمد:13] ولِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى [سورة الشورى:7] فإن لغة القرآن، واستعمال هذه الألفاظ في إطلاق لفظة قرية: تطلق على مجمع البنيان، سواء كان صغيراً أو كبيراً، كل ذلك يقال له قرية، وأما تخصيص المدينة بذات البنيان الكبير الواسع، والقرية بالصغير فإن هذا اصطلاح حادث، والقاعدة: لا يجوز حمل ألفاظ القرآن على اصطلاح حادث، وقل مثل هذا في لفظة التأويل وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ [سورة آل عمران:7] وقل مثل هذا أيضاً في كثير مما ورد في القرآن كقوله: وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ [سورة يوسف:19] ما هو المراد بالسيارة؟.

وقوله في الكنز: "وكان تحته مال مدفون لهما، وهو ظاهر السياق من الآية، واختيار ابن جرير".

بمعنى كنز مال، وبعضهم يقول: كنز علم، وبعضهم يقول غير ذلك، وظاهر السياق أن لفظة الكنز تدل على المال المدفون، فما كان تحت الأرض يقال له: كنز، وما فوق الأرض يقال له: مال، هذا هو المشهور المتبادر الذي تعرفه العرب عند الإطلاق، وإنما تحمل معاني القرآن أو ألفاظ القرآن على المتبادر الظاهر من كلام العرب دون المعنى الخفي إلا بدليل يجب الرجوع إليه، فلا داعي للتكلف في تفسيرها بتفسيرات ومعانٍ بعيدة، فالكنز هو المال المدفون "وكان تحته" وهذا يدل عليه اللفظ: وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا [سورة الكهف:82].

وقوله: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا [سورة الكهف:82] فيه دليل على أن الرجل الصالح يُحفظ في ذريته وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة بشفاعته فيهم، ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة، لتقر عينه بهم، كما جاء في القرآن ووردت به السنة، قال سعيد بن جبير عن ابن عباس - ا -: حُفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر لهما صلاحاً.

وقوله: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا [سورة الكهف:82] هاهنا أسند الإرادة إلى الله تعالى؛ لأن بلوغهما الحلم لا يقدر عليه إلا الله، وقال في الغلام: فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً [سورة الكهف:81] وقال في السفينة: فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا [سورة الكهف:79] فالله أعلم.

قوله: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا [سورة الكهف:82] الظاهر والمتبادر أن المراد به هو الأب المباشر الأقرب، وبعضهم يقول: هو الجد السابع، وبعضهم يقول: هو الجد العاشر، وكل هذا مأخوذ من الإسرائيليات، ولا دليل عليه.

وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا [سورة الكهف:82] يقول: فيه دليل على أن الرجل الصالح يُحفظ في ذريته، والقرآن دل على أنهم يرفعون إلى مرتبته في الجنة أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [سورة الطور:21] وسبق الكلام على هذه الآية، وأقوال أهل العلم، والمراد بها، وظاهر الآية هنا يدل على ما ذكر: أن صلاح الآباء قد يؤثر فيما يتعلق بالأبناء من الحفظ ونحو ذلك، لكن هذا ليس بمطرد ولا دائم.

ففي هذه الآية هنا قال: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا [سورة الكهف:82) فوقعت هذه القضية أن الله حفظ مالهما بسبب صلاح الأب، وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ [سورة الكهف:82] والفاء تدل على ترتيب ما بعدها على ما قبلها، وهي تشعر بالتعليل، وهذا الذي يقال له: دلالة الإيماء والتنبيه: أن يقرن الحكم بوصف لو لم يكن علة له لكان معيباً، فَأَرَادَ رَبُّكَ [سورة الكهف:82] لماذا؟ لأن الأب كان صالحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا [سورة الكهف:82] لكن هل هذا مطرد دائماً؟ الجواب: لا، هذه واقعة وقعت، فيُرجى عند صلاح الآباء أن يطال ذلك الأبناء بالحفظ، ولكنه ليس دائماً، نوح ما حال ولده؟ كان كافراً، غرق مع من غرق، وقال الله له: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ [سورة هود:46] وهذا شيء مشاهد، تجد الأب من الصالحين الأخيار، ومن العلماء، وتجد الولد فاجراً، مجرماً، لا يخاف الله، ولا يرقبه، وقد يتشتت هذا الولد، ويضيع في أمر دينه ودنياه معاً، وأبوه في غاية الصلاح، فليست هذه قاعدة، والآية ما تدل على أن هذا وعد من الله ، وأن كل من كان صالحاً يحفظ الله أبناءه، لا، ولكن الله لطف بهؤلاء الأبناء لصلاح الأب، وكثير من الناس يستدل بهذه الآية على أن الأولاد يُحفظون بصلاح الأب، لكن ذلك كما قلت ليس بمطرد، هذه واقعة وقعت، ولكن يوجد ما يخالفها أيضاً في الواقع، والله يفعل ما يريد، فقد يُكرم الأب بالدنيا وهذا مما يعجل له بأن يحفظ ذريته وأولاده من المخاوف والمكاره ونحو ذلك، وقد لا يحصل.

الحسين بن علي ، ريحانة رسول الله ﷺ تعرفون ما حصل له قُتل، وقُتل من أهل بيته كثير، وأي شيء أعظم من القتل فيما يفوت الإنسان من دنياه؟ ذهاب النفس التي تفدى بالمال، وحفظ هذه النفس من هذا القتل الجائر أولى من حفظ المال، ولكن الله يفعل ما يريد، فيقيض لعباده ما شاء، وكل ذلك بمقتضى علمه وحكمته ، فيكون رفعة لهم، وفي درجاتهم ومنازلهم عند الله ، وهو رفعة لهم في الدنيا أيضاً، فانظر إلى حال الذين قتلوه وإلى حال الحسين؟! أي الفريقين أعظم وأجل مقاماً في قلوب أهل الإيمان؟! لا شك أنه الحسين وأرضاه.

فعلى كل حال يقول: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا [سورة الكهف:82] يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: هنا أسند الإرادة إلى الله لأن بلوغهما الحلم لا يقدر عليه إلا الله، وقال في الغلام: فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ [سورة الكهف:81] وقال في السفينة: فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا [سورة الكهف:79] هذا الفرق الذي ذكره الحافظ ابن كثير ووجه التفريق بين هذه الألفاظ في الاستعمال، حيث أسند الإرادة إلى نفسه في موضع، وأسند الإرادة إلى الله في موضع آخر باعتبار أن ذلك من غير المقدور عليه بالنسبة إليه، فأضافه إلى الله، فَأَرَادَ رَبُّكَ [سورة الكهف:82] والعلماء عادة يذكرون في مثل هذا لطيفة أخرى، وهي: أن ذلك من باب التأدب في العبارة، فلما ذكر العيب أضافه إلى نفسه فقال: فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا [سورة الكهف:79] ولما ذكر ما فيه استصلاح الحال أو المال أو نحو ذلك قال: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا [سورة الكهف:82] فأضافه إلى الله  - تبارك وتعالى -.

وهذا يذكرون له نظائر، كقول إبراهيم : وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [سورة الشعراء:80] فأضاف المرض إلى نفسه، بينما قال: وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ [سورة الشعراء:79] فأضاف الإطعام والإسقاء إلى الله ، وهكذا في قوله - تبارك وتعالى -: وَالضُّحَى ۝ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ۝ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [سورة الضحى:1-3] ما قال: وما قلاك، فلفظة "قلى" ثقيلة على السمع، "قلاك": بمعنى جفاك، فلم يضفها إلى النبي ﷺ وإنما قال: وَمَا قَلَى [سورة الضحى:1-3].

وبعضهم يقول: هذا مراعاة للفواصل، لكن بعضهم يقول: إن هذا من باب التعليم لعباده، ولهذا تعرفون الخليفة - أظن أنه أبو جعفر المنصور أو المأمون - لما جاء بابنيه، وكان يؤثر أحدهما على الآخر، فبعضهم سأله عن هذا، فأعطى واحداً منهم سُوُكاً - مساويك - فقال له: ما هذه؟ قال: هذه سُوُك، وقال للآخر: ما هذه؟ قال: هذه مساويك، يعني: كأنها مساوئك، سهلت الهمزة.

فالمواجهة بالخطاب في مثل هذه الأشياء التي قد تكون ثقيلة على السمع، مساويك كأنه يقول: مساوئك، قال:

مساويك، ومثله: من أكبر أنت أو رسول الله ﷺ؟ بماذا أجاب؟ قال: أنا أكبر من النبي ﷺ، مع أن السؤال عن السن، فيجيب بجواب يقول: أنا ولدت قبله، أو يقول: هو أكبر مني، هذا من باب التأدب بالألفاظ؛ ولهذا قال الله : لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا [سورة البقرة:104] لأن كلمة "راعنا" تحتمل معنى باطلاً سيئاً، وهو مخاطبة النبي ﷺ ومواجهته ووصفه بالرعونة، كان اليهود يستعملونها لهذا المعنى، فعلّمهم كيف يتأدبون بالألفاظ، وهذا له نظائر كثيرة في الكتاب والسنة، هذه من الآداب التي يحتاج الإنسان أن يراعيها في المخاطبة.

قال: فَأَرَدْنَا [سورة الكهف:81] وهكذا من اللطائف في التفسير كما في قوله فيما سبق: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا[سورة الكهف:78] فلما نبأه قال: ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا [سورة الكهف:82] والقاعدة: أن زيادة المبنى لزيادة المعنى، فلماذا قال في الأولى: تستطع وفي الثانية قال: تسطع؟ وما وجه ذلك؟

فيمكن أن يقال: إن الإنسان حينما يستشكل هذا ولا يعرف تأويله كيف يقتل هذه النفس ؟ وكيف يخرق السفينة؟ وكيف يبني الجدار من غير أجرة مع هؤلاء الناس الذين لم يضيفوهما ؟ فثقل ذلك عليه، الإنسان إذا استشكل شيئاً وما فهم المراد ونحو ذلك تضيق نفسه به، وينقبض صدره ويزعجه، فإذا عرفه سُري عنه، فخفّت اللفظة الثانية، قال: ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا [سورة الكهف:82] كما سيأتي في قوله: فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا [سورة الكهف:97] أيهما أصعب نقب هذا الجدار المبني بهذه الطريقة آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا [سورة الكهف:96]، أو الصعود إلى أعلاه؟

الأسهل الصعود؛ ولهذا قال: فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ [سورة الكهف:97]، وقال: وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا [سورة الكهف:97] فالنقب أصعب فزادت حرفاً، هذه من اللطائف التي يذكرها بعض المفسرين الذين يُعنون بالجوانب البلاغية، والله تعالى أعلم، قد يكون هكذا وقد لا يكون، لكن هذه أشياء مستنبطة لا يقطع بها.

وقوله تعالى: رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي [سورة الكهف:82] أي: هذا الذي فعلته في هذه الأحوال الثلاثة، إنما هو من رحمة الله بمن ذكرنا من أصحاب السفينة، ووالدي الغلام، وولدي الرجل الصالح وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي [سورة الكهف:82] أي: لكني أمرت به ووقفت عليه، وفيه دلالة لمن قال بنبوة الخضر مع ما تقدم من قوله: فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا [سورة الكهف:65].

قال: وفيه دلالة لمن قال بنبوة الخضر، هذا كما سبق أنه قال:  وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا [سورة الكهف:65] والحديث أيضاً لموسى : إنك على علم من الله ليس عندي أو لا أعلمه، وإني على علم من الله لا تعلمه[1].

روى الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي ﷺ في الخضر قال: إنما سمي خضراً لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من تحته خضراء[2] ورواه أيضاً عن عبد الرزاق.

وقد ثبت أيضاً في صحيح البخاري عن همام عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة، فإذا هي تهتز من تحته خضراء[3].

والمراد بالفروة هاهنا الحشيش اليابس، وهو الهشيم من النبات، قاله عبد الرزاق، وقيل: المراد بذلك وجه الأرض.

في البخاري في أحاديث الأنبياء، في باب حديث الخضر مع موسى - عليهما السلام -: فإذا هي تهتز من خلفه خضراء[4] وعند أحمد في رواية: تهتز تحته خضراء وفي رواية قال: تهتز خضراء[5] والمقصود بالفروة بعضهم يفسرها بهذا وبعضهم بهذا، بعضهم يفسرها: بالحشيش اليابس، فلما جلس عليها تحولت إلى خضراء، وبعضهم يفسرها بالأرض اليابسة، ليس فيها نبات، فتحولت إلى خضراء، يعني: أنبتت، وهذه كرامة من الله ، هذا سبب تسميته بالخضر.

وقوله: ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا [سورة الكهف:82] أي: هذا تفسير ما ضقت به ذرعاً، ولم تصبر حتى أخبرك به ابتداء، ولما أن فسره له وبينه ووضحه وأزال المشكل، قال: تَسْطِع وقبل ذلك كان الإشكال قوياً ثقيلاً، فقال: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا [سورة الكهف:78] فقابل الأثقل بالأثقل، والأخف بالأخف، كما قال: فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا [سورة الكهف:97] وهو الصعود إلى أعلاه فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ [سورة الكهف:97] وهو أشق من ذلك، فقابل كلاً بما يناسبه لفظاً ومعنى، والله أعلم.

فإن قيل: فما بال فتى موسى ذكر في أول القصة، ثم لم يذكر بعد ذلك؟ فالجواب: أن المقصود بالسياق إنما هو قصة موسى مع الخضر، وذكر ما كان بينهما، وفتى موسى معه تبع، وقد صرح في الأحاديث المتقدمة في الصحاح وغيرها أنه يوشع بن نون، وهو الذي كان يلي بني إسرائيل بعد موسى .

وهم الذين دخلوا الأرض المقدسة معه بعد موسى ، فالشاهد أن الغلام أو الفتى أو يوشع بن نون لم يكن هو المعنيّ بذلك؛ فتُرك ذكره، وأما ما ورد عن بعض السلف من أنه خلد ووضع في سفينة، وسارت به في البحر، فهي تسير به إلى يوم القيامة هذا الكلام كله لا أساس له من الصحة، ولا يعول عليه.

  1. أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب: فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً [الكهف: 63] (6/ 91- 4727).
  2. أخرجه أحمد (13/474-8113) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (1/466).
  3. اللفظ الذي في البخاري: فإذا هي تهتز من خلفه خضراء أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الخضر مع موسى - عليهما السلام - (4/ 156- 3402).
  4. أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الخضر مع موسى - عليهما السلام - (4/ 156- 3402).
  5. أخرجه أحمد (13/ 534- 8228) ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الترمذي (3151)، وابن حبان (6222)، والبغوي في تفسيره 3/172 وانظر (8113).