ويقول الله - تبارك وتعالى -: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فجذع النخلة جذع غليظ، جاف خشن، ولهذا فرعون اختاره من بين سائر الجذوع فقال للسحرة: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [سورة طه:71] عبر بـ"في" التي تدل على الظرفية، كأنه لقوة ربطه يدخل الواحد منهم في وسط جذع، فإذا صلب الإنسان إلى جذع مثل هذا بما فيه من الكرب، والخشونة؛ فإن الإيلام سيكون شديداً عليه، فما قال: إنه يصلبهم على جذوع مثلاً الأشجار الفلانية أو نحو ذلك بل على جذوع النخل، وهذا زيادة في النكاية، فالشاهد أن هزي إليك ماذا عسى أن تفعل يد المرأة أو ساعد المرأة الضعيف - وهي في حال الولادة غاية ما تكون من الوهن - بجذع نخلة غليظ ليست شجرة عادية لا تتحرك، فأقوى الرجال لو هز جذع نخل هل يتساقط عليه الرطب؟ ما يتساقط، فهذه آية أخرى، وتدل أيضاً على تعاطي الأسباب فإن الله - تبارك وتعالى - لو شاء لنزل عليها الرطب إذا أرادت من غير هز، ولو شاء الله - تبارك وتعالى - لأغناها عن الأكل، والشرب بحيث لا تحتاج لا إلى نخلة، ولا إلى ماء، ولكن الله أجرى الأمور على أسباب في هذه الدنيا كما قال بعضهم:
ألم تر أن الله قال لمريم | وهزي إليك الجذع يساقط الرطب |
لو شاء أن تجنيه من غير هزه | جنته ولكن كل شيء له سبب |
هذه حركة بسيطة يحصل منها الرطب الجنيّ، بعضهم يقول: هو حديث الاجتناء، حديث الأخذ، فلان يجني الرطب كأن يقال: طازج، والمعنى الثاني: جني يعني الصالح للقطف، للأخذ، للأكل، قد تهيأ ونضج، وبين المعنيين مقاربة، فإذا قيل الجنيّ حديث الاجتناء، طري، يعني فإن الذي يجتنى هو ما كان صالحاً للأكل، فحينما يجتنى فهو باقٍ على حاله، وهيئته إذا كان حديث الاجتناء، مهيأ، وصالحاً للأكل - والله تعالى أعلم -.